واثق الجابري ||
يبدو أن الرهان على مشاكسة حكومة الكاظمي، لم يعد واضحاً في ظل إجتياح جائحة كورونا، وإنشغال الأوساط السياسية والشعبية والدولية، بمآلات مستقبل قد يؤثر على التوازنات الدولية والعلاقات السياسية والإجتماعية والإقتصادية، إلاّ أن ذلك لا ينهي مساعيَ تتحرك بوسائل غير ملموسة ولا محسوسة، لكنها مستعدة للإنقضاض على أهدافها حين تحين الفرصة المناسبة، وتدرس كل الإحتمالات، بما فيها عرقلة الحكومة أو عدم إجراء إنتخابات مبكرة.
تسير حكومة الكاظمي في طرق وعرة، كونها جاءت بعد حكومة مستقيلة وإضطراب تدخل دولي وخلل سياسي وإحتجاج شعبي، وفشل تكليفين، تحت تأثير الضغط الخارجي والسياسي المحلي والإعتراض الشعبي.
خضعت كل الحكومات العراقية بعد 2003م، الى ضغط إرادات تضاربت أو تعاضدت، ولكنها بالنتيجة خدمت مصالحها أكثر من سعيها لبناء دولة العراق، والتدخل الدولي واضح بدءاً من التدخل في شكل الحكومة وإنتهاء بسياساتها على أرض الواقع، مع تدخل سياسي يتقاطع تبعاً لمصلحة هذه الفئة أو تلك، وما إتفاقها سوى لتحقيق مصالحها المشتركة، وكلتا الحالتين على حساب رغبة الشعب ومصالحه، وهذا ما ادى الى تراكمات وصلت للضغط الشعبي والإحتجاج، ولكنه لم يبتعد أيضاً عن التأثير الدولي والسياسي المحلي والمصالح الفئوية لشريحة من المحتجين.
حكومة الكاظمي سوف لن تكون بعيدة عن التأثيرات الدولية، التي تبحث عن مصالحها وإن كان على حساب المصلحة العراقية، وتدفع أطرافاً سياسية وشعبية للإعتراض على الحكومات، وبنفس الوقت تسعى قوى سياسية بإستخدام نفوذها السياسي والشعبي، أو تستعين بالخارج، وتستخدم الشارع سواء كان موالياً أو مخدوعاً بمآربها، وقلَّ ما تجد الإعتراض على الحكومات لتحقيق أهداف إصلاحية، وسرعان ما يوضع هذا التوجه كبقية المساعي لأهداف سياسية فئوية.
إن المطلوب من الحكومة الآن المواءمة بين ثلاثة مواقف، وفك عقدة التنازع بين هذه القوى، ويبدو أن الخطوات الأولى للسيد الكاظمي، سواء ما أنتُقِد منه أو أمتُدِح، أعطت إنطباعاً لحضور الحكومة في فعاليات لها إنعكاسات إجتماعية وشعبية، وتأثير على السياسة الدولية والمحلية، إلاّ أنها تسير في طريق لا يخلو من العراقيل التي تظهر أحياناً بصورة مفاجئة متصادمة، وهذا ما يدعو لخطوات إستباقية لفك التلازم، بين الإرادات التي تتحين الفرص لبعضها، في سبيل تحقيق مصالح فئوية.
إذا لم تعرف القوى الدولية والمحلية والشعبية، ماذا ينفعها، بشرط تحقيق مصلحة العراق أولاً، فإنها ستصل يوماً ما الى درجة التقاطع وتُفشل مشاريع الحكومة، ورغم جائحة كورونا وأرقامها المخيفة التي تجتاح العالم، والتي تتطلب من السياسة أن تكون أكثر إنسانية، إلاّ أن كثيراً من الخطوط الإستراتيجية لسياسات بعض الدول مع العراق، وتحركات القوى المحلية، التي ما تزال تعدها مجتمعة كالأرض المحرمة، التي لا تلتقي بها قوى متناحرة، وبذلك تفتح التوقعات محتملة التصاعد، وإن تراجعت هذه الأيام بسبب تصدر فايروس كورونا نشرات الأخبار، فربما تكون السياسة كهذا الفايروس، يحمله البلد ولا تظهر الأعراض والعلامات في أول أيامه، لكنه معدٍ ،وعدم ظهور الأعراض أخطر من وضوحها لكي يتم معالجتها أو الإبتعاد عن حامليها.
لم تدرك التدخلات الدولية أو تعمدت، تعطيل دولة ذات أهمية إستراتيجية أقليمية ودولية، ونجاح العراق سينعكس على المنطقة والعالم، وربما سيكون التحول الدولي بعد جائحة كورونا، هو بحاجة الدول للتصالح أكثر من الإحتراب وصناعة الحياة أكثر من صناعة السلاح، وحاجة القوى السياسية لبناء إستراتيجية تنجح الحكومة وتعيد الثقة للشارع العراقي، وكذلك المحتجين عليهم إعطاء فرصة للحكومة لكي تحقق جزء من وعودها وتستعد للإنتخابات المبكرة، وعليهم قراءة قانون الإنتخابات بشكل جدي، فليس كل من يفوز هو الأفضل، إنما من يجيد أدواتها الأعلامية، ولا كل من رفع علم العراق هو صادق أو يحقق له ذلك فوزاً إنتخابياً.
بين هذا وذاك وبين قوى متصارعة أو متصالحة، أن أرادت حكومة الكاظمي النجاح، فعليها تحقيق منجزات على أرض الواقع، لتكون ساندة لها في مواجهة التدخلات الخارجية والمصالح الحزبية، ومن يدفع الشارع لإسقاط العملية السياسية.
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)