المقالات

ماذا تريد حواء من آدم؟!!  


علياء الانصاري* ||

 

عشرون عاما، من العمل المكثف في عالم المرأة.. أتحسس خوفها وقلقها، وأترقب معها أحلامها ورؤاها، أشاركها تفاصيل العنف الموجه ضدها بكل دقائقه المعقدة والشائكة، مئات القصص والحكايا التي رُويت لي، وربما عشت تفاصيل بعضها معهن، مئات النساء اللواتي ذرفن دموعهن في أحضاني، وربما لم تكن لهن دموع!!

كميات هائلة من الوجع يتسلل تحت جلدي ليسكن بصمت في تلك الخلايا غير المرئية المختزنة مجسات تحسس الألم، وفي زوايا تلك الخلايا سكن وجعهن!!

وعلى إختلاف أنواع العنف، وأشكاله وتفاصيله، كنت أبحث عن شيء مشترك، يوحد ذلك الوجع، شيء مشترك لجميع النساء.. على اختلاف معاناتهن ووجعهن والظلم الموجه إليهن.. لابد أن يكون هناك شيء مشترك في كل هذا الوجع وهذا العنف..

كتبتُ (أنثى ليست للبيع)، لعلي أ ُسمع الأناث جميعهن كيف يتم بيعهن تحت مسميات مختلفة.. حاولت أن أضع معالجات لإيقاف ذلك البيع.

وكتبت العديد من المقالات والروايات والكتب لأجل أن أفهم جيدا تفاصيل وجعهن، وأجعل لذلك الوجع لسانا وصوتا.

وكلما تحدتث معي أحداهن، أدرك جيدا.. أن معاناتها تشبه الآخريات وان اختلفت تفاصيلها من عنف جسدي  الى نفسي الى اقتصادي الى قانوني الى حرمان من فرص وغيرها.. جميعهن يشتركن في نقطة واحدة.

كنت استشعرها، ولم أجد لها مفردة تجسدها.. حتى قبل حين.

وجدتها، ما تريده حواء من آدمها، سواء كان أبا أو أخا أو زوجا أو أيّ عنوان آخر.

تفصيلة صغيرة في حياتها، مفقودة.. ضائعة، فقدانها وضياعها هو السبب في كل ما تعانيه.

الحماية، نعم.. الحماية!!

الطفلة الصغيرة، تبحث عن ضآلتها في الحماية بين ذراعي أبيها، وفي حنايا قلبه.. عندما تشعر بالآمان وهو معها.. تشعر بأنها أميرة وان الدنيا مملكتها، فلا تخاف ولا تقلق ولا يتعثر لسانها ولا قلبها!! ولكن هذه الطفلة الصغيرة تعيش الخوف دوما، الخوف من غضب أبيها، الخوف من قسوته، الخوف من حرمانها من التعليم، الخوف من التزويج المبكر، الخوف من سطوة الذكورة بكل تفاصيلها، الخوف من وحش أسمه (العيب) يرافقها في كل تفاصيل حياتها.

وعندما تكبر، تبحث عن ضآلتها لدى أخيها.. فلا تجدها كما فقدتها عند الأب، وتظل تنتظر الفارس الأبيض يأتيها بفارس أحلامها لينقلها الى عالم الأحلام الوردي.

وهناك.. تبحث عن ضآلتها أيضا، عن الشعور بحماية هذا الرجل لها، حماية قلبها، حماية احلامها، حماية حاضرها ومستقبلها، فلا تجد كل هذا.

غالبية النساء تكمن قضيتهن في البحث عن هذه الحماية، عن الاستشعار بها.. عندما تكون المرأة بحاجة، نعم بحاجة الى الحبّ، الى الاحترام، الى المودة، الى السكينة، عندما تقع في مشكلة ما، عندما يصفعها الزمن ذات مرة.. تحتاج الى تلك الحماية.

حبّ آدم لحواء (سواء كانت أبنة أو أخت أو أمّ أو زوجة)، هو حماية!! احترامه لها هو حماية!! تقديره لها هو حماية!! الكلمة الطيبة هي حماية!! المشاعر الدافئة هي حماية!!

إعطائها حقها في التعليم وإختيار شريك الحياة وفي العمل والتعبير عن رأيها وذاتها، حماية لها!!

ما تريده حواء هو أن تستشعر هذه الحماية في تفاصيل حياتها منذ نعومة أظافرها حتى الشيخوخة.

لذلك ننشغل الآن بالبرامج التي تستهدف الحكومات بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، على موضوعة (الحماية)، أن تكون هناك بيئة آمنة حامية للنساء، بيئة تشريعية، بيئة قانونية، بيئة إجتماعية، بيئة عمل توفر الحماية الكافية للنساء.. الحماية بكل تفاصيلها، الحماية التي تعني أن المرأة تستشعر الأمان والراحة في المكان الذي تتواجد فيه.

فعندما لا تشعر المرأة بالأمان، فهذا مؤشر لإنعدام الحماية.

فأن لم تشعر حواء بالأمان مع آدم فهذا يعني بأنه لم يُوفر لها البيئة الحامية. وهذا ينطبق على الحياة الخاصة داخل الاسرة والحياة العامة في بيئات العمل والمجتمع الكبير.

ومن يسأل عن ماذا يعني بشعور حواء بالأمان وربطه بالحماية، فلينظر الى تصاعد أرقام الطلاق في المحاكم، والى ارتفاع معدل حالات الانتحار، والى التفكك الاسري والى تنمر الاطفال واليافعين والشباب، والى الفجوة الكبيرة بين الفتيات وأهلهن.. والى قضايا إجتماعية كثيرة نسمع عنها يوميا ونعيش تفاصيل بعضها.

لذلك أن كنا نسعى الى التقليل من العنف ضد النساء والفتيات، فلنعمم مفهوم الحماية في بيوتنا، وفي أمكان العمل، وفي التشريعات، وفي الإجراءات الادارية في مؤسساتنا، لنشعر حواء بأنها بأمان!

حواء كائن رقيق، حساس، هي عالم عجيب.. لا يفهم سرّه إلا أولوا الالباب!

 

*كاتبة ومديرة تنفيذية لمنظمة بنت الرافدين

 

ــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك