عباس العنبوري ||
حضرت قبل حوالي ثلاث سنوات اجتماعاً ضم عدداً من اعضاء مجلس العموم البريطاني، وكان من بينهم في ذلك الوقت، بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا الحالي. وقد جلس على مقربةٍ مني في ذيل الجالسين من الضيوف. ابرز ما لفت انتباهي جواربه الحمراء الطويلة والتي كانت مزخرفةً باللون الابيض برسوم لأحد الحيونات الاليفة، وكان ارنباً على ما في بالي. وقد كان لطريقة جلوسه الاقرب الى الاستلقاء دوراً في ان يرتفع بنطاله الى وسط ساقه، مما يجبر الجالسين مما يليه في امعان النظر في الارانب البيضاء المنتشرة على عشب الجوارب الاحمر!
التفت الي احد النواب في حينها، والذي سأتجنب ذكر اسمه لكيلا يصبح مادة الحديث بدلاً من جونسن، وقال: بربك لو واحد عراقي لابس هذا اللون من الجواريب فشجان حجينه عليه. فأومأت له برأسي موافقاً على ما قال. وما هي الا لحظات حتى همس بأذني احد الزملاء وهو يمعن النظر في جوارب جونسون قائلاً: يا اخي تعجبني ثقتهم بنفسهم. فأومأت برأسي موافقاً ايضاً!
تذكرت هذه الصورة من الانهزام الحضاري الذي نعيشه كعراقيين عندما "نطرب على الغريب" بل ونطرب حتى على "جواربه" وانا اتابع تقريراً لأحد القنوات العربية، والذي يتحدث فيه عن كوكب اليابان! اذ تشهد الاسواق فيها تزاحماً غير مسبوق بعد تخفيف القيود على اجراءات الحجر الصحي. الامر الذي لفت انظار العالم- بحسب التقرير- عن مدى خرق الشعب الياباني لقواعد التباعد الاجتماعي التي ينبغي مراعاتها لتجنب الاصابة بفايروس كوفيد -19 . وقد كان التقرير مدعماً بصور فديوية حية لمشاهد التزاحم.
وانا في لحظات التأمل، رجعت بذاكرتي الى ذلك العمود الثابت الذي كنت اقرأه في تسعينيات القرن الماضي في مجلة (ألف باء) والذي يحمل عنوان (بلد صاعد بلد نازل ) للكاتب داوود الفرحان، والذي سمحت له السلطة في ذلك الوقت بنقد الواقع العراقي من خلال استجلاب الصور المثالية للشعب الياباني. ثم تذكرت عشرات المقالات والصور والتقارير التي شاهدتها وقرأتها عن الشعب الياباني الذي اكن له كل احترام وتقدير بكل تأكيد. اذ اتيحت لي الفرصة لزيارة هذا البلد الجميل لمرات. وعشت في احدى تلك الزيارات مع عائلة يابانية لمدة اسبوعين، وهي عائلة ( ميهو وميني) وابنهم (كو) وكلبهم (جا) الله يذكرهم بالف خير. فرغم فهمي للتباين والتمايز بين المجتمعات المختلفة. الا اننا لا زلت استغرب الصور الاسطورية التي نحب -نحن الشرق اوسطيين- رسمها عن الحياة في تلك البلدان وعن تمايز تلك المجتمعات عن غيرها. ولست انسى صدمتي عندما شاهدت آلاف الاشارات المرورية في اليابان، في وقت كنت اسمع انهم قد احتفلوا برفع آخر اشارةٍ مرورية لهم.
وانا في غمرة التأملات، رجعت بذاكرتي الى جوارب جونسون، وانا اشعر بندم شديد، باني لم اكن حريصاً على ان التقط صورةً مع صاحب الشعر المنكوش والجوارب الحمراء، اذ لم اكن اتوقع انه سيصبح يوماً ما رئيساً لوزراء بريطانيا، وندمت اني لم اكن منطرباً بجواربه رضوان الله عليه!
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha