المقالات

العمق الاستراتيجي للواقعين العراقي والاميركي 


سعود الساعدي ||

 

من المفترض ان يشهد شهر حزيران المقبل حوارا استراتيجيا عراقيا – اميركيا لبحث مستقبل العلاقة بين البلدين ومستقبل الوجود العسكري الاميركي.  يبدو ان واشنطن عازمة على عقد اتفاقات مشتركة وشاملة اهمهما ما يتعلق بطبيعة العلاقات السياسية والعسكرية والامنية لتحقيق ما لم تتمكن واشنطن من تحقيقه بعد احتلال العراق عام 2003 وما لم يتحقق ايضا بعد عودة داعش عام 2014 وهو صناعة نظام تابع وملحق بالسياسات الاميركية في المنطقة مُستلب الارادة ومُصادر الثروات وفاقد للاستقلال ومعدوم من كل مقومات القوة والنهوض والاقتدار الوطني. فهل ان اميركا قادرة وفق المعطيات الحالية في بعدها الاستراتيجي على فرض ارادتها على العراق أم لا؟ وهل تستطيع ان تحقق بمساعيها الناعمة ما عجزت عن تحقيقه بضرباتها الدموية الخشنة؟ وهل ان العراق بامكانه التفلت والوقوف بوجه محاولات الاخضاع الاميركي من جديد؟ وهل يمتلك العراق المقومات والقدرات اللازمة للتحدي فضلا عن النهوض والبناء؟. النظرة العميقة للواقع الاميركي تكشف ما يلي:  اولا: اميركا تعيش حالة تراجع استراتيجي وأفول تاريخي راكمته التطورات السياسية والاقتصادية والهزائم العسكرية المباشرة وغير المباشرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي منذ ثلاثة عقود. ثانيا: ما ادى الى انهيار الاتحاد السوفيتي هو الارهاق والعجز الاقتصادي بسبب سباق التسلح وهو نفس السبب الذي ادى الى احداث حالة عجز اقتصادي ومالي اميركي انذاك – انهيار مؤجل ـ لكن اميركا القوة الماراثونية غطته بالاستخدام المفرط للقوة وبالترويج لنظريات نهاية التاريخ وصراع الحضارات الذي عكس نهاية غير معلنة للرأسمالية!. ثالثا: اللجوء الى القوة الناعمة والحروب المركبة عسكريا والافراط في فرض الخصخصة اقتصاديا لابتلاع اقتصاديات الدول الصغيرة - في الوقت الذي يتم فيه تأميم المؤسسات الاميركية!ـ كان له هدفان الاول عسكري وهو ابقاء المسرح العالمي تحت السيطرة والايحاء بمواصة قيادة العالم والثاني اقتصادي وهو ستر العجز الاقتصادي وادامة حياة الاقتصاد الاميركي. رابعا: تنامي وهيمنة الاقتصاد الصيني عالميا وصعود وتضخم الحضور الروسي دوليا وبروز النجم الايراني اقليميا ضاعف من حالة "الترنح الاميركي" استراتيجيا فالصيني يهيمن على الاقتصاد حتى لو كان اميركيا والروسي سياسيا وعسكريا يناكف الاميركي دوليا والحالة السورية مصداق بارز اما الايراني فأفشل كل المخططات الاميركية في غرب اسيا بل قلب المعادلة وشكل بيئة بعمق استراتيجي غير مسبوق مناوئ للكيان الاسرائيلي ويهدد وجوده. خامسا: جاءت التداعيات الاولية لوباء كورونا لتكشف الخلل الاميركي وتعري البنى التحتية الاقتصادية والسياسية والصحية وقبلها الفكرية التي بُني عليها النموذج "المُعظم" للحضارة الرأسمالية الحديثة وهو الولايات المتحدة الاميركية. سادسا: اميركا اليوم دولة مأزومة وللتغطية على الازمة الداخلية وابقاء ترامب رئيسا واعلان حالة الطوارئ بداعي الحفاظ على السلم الاهلي هي بحاجة اما الى خلق ازمة خارجية عبر حرب غير مضمونة النتائج مع ايران او الصين او خلق ازمة داخلية تحت السيطرة للخروج من تحميل السلطة الحالية تداعيات الفشل في مواجهة وباء كورونا وللتغطية على التراجع والفشل الخارجي والافول التاريخي. سابعا: استفزاز ذوي البشرة السمراء من المواطنين الاميركيين ذوي الاصول الافريقية وصناعة حالة فوضى مؤقتة وخلق ازمة داخلية وادارتها هو الخيار الاسلم والاقل تكلفة للخروج من الازمة البنيوية الاميركية المتراكمة. ثامنا: استشعار اميركا بافلات العراق من القبضة الاميركية التي هيمنت عليه منذ انقلاب 8 شباط 1963 دعاها للحضور المباشر الى المنطقة عام 1990 بشعار نزع اسلحة الدمار الشامل العراقية وبحجة تحرير الكويت بعد دفع صدام لغزوها. اما الواقع العراقي استراتيجيا فيكشف عن حقائق مهمة يحاول الاعلام المعادي بمنابره المحلية والاقليمية طمسها وتغييبها فيما يضخم ويروج لمظاهر الضعف الظاهرة! فما اهم ما تكشفه النظرة العميقة للواقع العراقي؟ اولا: سعت اميركا للهيمنة على العراق عبر ثلاث مراحل الاولى هي قتل الروح الوطنية والثورية من خلال افشال الانتفاضة الشعبانية الشعبية والثانية تدجين وترويض الشعب من خلال استنزافه وتزييف وعيه وتدمير بناه التحتية واشغاله بأموره المعاشية عبر فرض الحصار الاقتصادي والثالثة اخضاعه بالاحتلال المباشر وادراة ازماته السياسية والاقتصادية والامنية والنفسية المصنوعة. ثانيا: شكلت المراحل الثلاث انفة الذكر مرتكزات نظرية الصدمة والرعب الاميركية لاعادة تشكيل الواقع العراقي وصناعة نمودج عراقي تابع وخاضع للارادة الاميركية بعد "اعادة ضبط المصنع". ثالثا: رغم كل المآسي ومظاهر الخراب والمقابر الجماعية والحرائق البنيوية نهضت حركة مقاومة عراقية مسلحة اعادت بصيص الامل من تحت ركام اليأس والتشاؤم والدمار لتنجح في خوض حرب عصابات بدعم من ايران وحزب الله اللبناني اوجعت الاحتلال الاميركي واستنزفته ليوظف المفاوض العراقي نجاحها ويتمكن من وضع جدول زمني لانهاء الاحتلال. رابعا: عاد الاحتلال الاميركي من شباك تنظيم داعش وللهدف نفسه وهو اعادة تشكيل العراق سياسيا واقتصاديا وفق المقاسات الاميركية لكن العراق حول المخاطر الجديدة الى فرصة للنهوض واستجماع كل مرتكزات القوة ليقلب المعادلة من جديد. خامسا: وفرت المخاطر الجديدة فرصة استئنائية بعد ان احدثت التفاعلات العراقية المختلفة دينيا وشعبيا تحولات فريدة لكن الطبقة السياسية لم تتمكن من الخروج من مأزقها المستدام وواصلت سعيها لإدامة السلطة والسيطرة على الحكم دون توفير مقومات بناء الدولة بل حتى مقدمات ادامة الحكم!. سادسا: رغم كل التضحيات ورغم الفشل الظاهر في توظيف ما تحقق من هزيمة لتنظيم داعش واسقاط المشروع الاميركي المستجد ادرك العراقيون انه لابد من التأسيس لمشروع الدولة ليتبلور بذلك وعي شعبي عام حاول الاميركي مجددا استثماره والعزف على اوتاره. سابعا: بات يتوفر في العراق كل العناصر اللازمة لاعادة تشكيل الدولة بعد ان برزت مجموعة من مرتكزات القوة المتنامية رغم العوق السياسي الظاهر فما حدث اعاد بناء البنى التحتية العراقية النفسية والاجتماعية في العمق وان كانت صور الخراب في السطح. ثامنا: الواقع العراقي الحالي قياسا بما قبل 10 سنوات يكشف عن فوارق كثيرة وكبيرة بمؤثراتها وتداعياتها على مختلف الاصعدة من اهمها سقوط مخططات الاستلاب السياسي والانهيار الامني والتبعية الاقتصادية والتمزق الاجتماعي والتقسيم الطائفي والعرقي. تاسعا: العراق شاء ام ابى – جيوسياسيا – هو جزء من محور معارض للهيمنة الاميركية ورافض للسياسة الاسرائيلية في المنطقة ونجح - هذا المحور- في افشال كل المخططات والهجمات التي تعرضت لها المنطقة ومنها العراق وبفضل العراق ايضا. عاشرا: المظلة الاستراتيجية لهذا المحور باتت اكبر واعمق واوسع ما جعل العراق بحكم المخرجات الواقعية لنتائج المواجهة المركبة في المنطقة في وضع مؤهل لخروجه من ازماته المزدوجة والبنيوية والتمهيد لدخوله مرحلة الاستقرار العام بشرط مغادرة خريفه السياسي.  العراق اليوم اقدر على رفض الاملاءات الاميركية ومساعي توقيع اتفاقات او معاهدات تبعية او رضوخ سياسي والحاق اقتصادي وهيمنة عسكرية او امنية اميركية فمرتكزات القوة العراقية في العمق اكبر واوضح من مظاهر الضعف او الوهن التي يعمل الاميركي على تضخيمها وتعميقها وتسويقها اعلاميا كتهديدات وجودية بعدها الطوفان.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك