علي فضل الله
لا أستطيع التنفس
هذا ما قاله فلويد الرجل الأمريكي صاحب البشرة السوداء، وهو يتلفظ أنفاسه الأخيرة، بعدما وثب على رقبته رجل أمن أمريكي(أبيض البشرة)، موقف أثار حفيظة الأنسانية، وأشعل لهيب الشارع الأمريكي، لكن الذي يثير الأستغراب، هل هي الجريمة الأولى التي ترتكب من قبل قوات الأمن الأمريكية؟ سواء كان ذلك في الداخل الأمريكي، أو خارجه، قطعا لا، فالولايات المتحدة الأمريكية سجلها حافل بالإجرام، فدولة هي أسست على الإبادة، حينما أباد الطهريون الإنكليز الهنود الحمر، تحت مسمى(الإبادة المقدسة) نسبة ل(سفر يشوع) في العهد القديم، ليبنوا دولة على جماجم الأبرياء.
إذن دعونا نبحث عما تخفي هذه الجريمة، ونتعمق في مراد تلك الحادثة، هل كانت عفوية؟ أم هي منتج هوليودي جديد؟ يضمر ذلك المشهد مخططات ووسائل موجهة عن بعد، والصور الهوليودية بطبيعة صناعتها تتحكم بالتفكير، وليس العكس، والتحكم بالتفكير يقودنا إلى إن هنالك حدث يراد صناعته، كما فعلت فوكس نيوز الأمريكية، عندما فبركت مشهد قيام الجيش العراقي، بإخراج الأطفال الخدج الكويتين من حاضنة الأطفال أبان غزو صدام للكويت، وكان الغرض من رمزية هذا المشهد اللاإنساني، تأليب الرأي العام العالمي ضد العراق، وأستعين بدموع إبنة السفير الكويتي في أمريكا، داخل جلسة الأمم المتحدة، على إنها ممرضة ورأت بإم عينيها إجرام جيش صدام( وهو كذب بكذب) وقد حقق الغرض المرجو وقتها، ونجحت الولايات المتحدة في أن تصنع تحالفا" دوليا" لإخرج صدام من الكويت، فهكذا تفكر أمريكا.
الإنسان بسجيته وطبيعته، يتفاعل مع هكذا أحداث ويتاثر بمحتواها الخارجي أو الشكلي، وهذا التصديق لا يكون نابعا" من التأمل والتفكير بماهية الحدث، وإنما عبر الصورة وطريقة إخراجها والتي تحرك المشاعر الفطرية، وما يشعرون به يجعلهم يرتبطون بشكلية الحدث ويتناسون [مراد صانع الحدث]!، لكن هذا قد يمر على عامة الناس، بينما المختص من المفترض إن لديه كونترول على عواطفه، ويغوص في أعماق الحدث، ولا يهتم بشكليته بل ببواطن صناعته! من حيث البعد المكاني له والزماني، لذا فحادثة قتل فلويد من حيث البعد الجنائي تحمل إحتمالين، عملية القتل جاءت نتيجة خطأ رجل الأمن[الأبيض] أي لم يكن متعمد قتل فلويد[الرجل الأسود]، أما الإحتمال الثاني تعمد القتل، من قبل رجل الأمن الأمريكي.
وهنا أود أن أستعرض بإيجاز هذين الإحتمالين، وأيهما أرجح للواقع الأمريكي، ولأي غرض وضب الحدث إن كان متعمد
الإحتمال الأول_ إن يكون الحادث جاء بنتيجة الخطأ.. ولوعدنا لشريط الحادث، علينا أن ننتبه لعدة نقاط هي:إن الشرطي الأبيض البشرة الذي أرتكب الحادث، كان أربعيني العمر، وهذا يعني من حيث التخصص الوظيفي، يكون ذو خبرة كبيرة يستحيل معها إرتكاب هكذا حادث قتل وبهذه الطريقة الفجة، وكذلك طريقة إرتكاز ركبة ساق الشرطي على رقبة الضحية، وتعمد تبختره على جسد القتيل، بالإضافة لوقوف رجل أمن يقوم بتأمين الحماية للشرطي القاتل، مع وجود شرطيين يمسكان بجسد الضحية بمنظر شبيه بتل الخراف للنحر، رافق المشهد صراخ الضحية (إنني لا أتنفس)، كل ذلك دلائل دامغة على ما إن ما حصل يقع في خانة الإحتمال الثاني_ وهو (القتل العمد).
هنا يثار التساؤل الأتي، لماذا تم إرتكاب هذه الجريمة العنصرية؟ وفي هذا التوقيت مع قرب الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، ومن هو المستفيد من ذلك؟ ولماذا تعمدت وسائل الإعلام أن تسوقها بأزمة رأي عام وجريمة عنصرية ، وإلا فهنالك ألاف الجرائم التي ترتكب من قبل قوات الأمن الأمريكية سنويا"، لما لم تلقى ردة فعل عنيفة كما حصل مع فلويد، أضف إلى ذلك تركيز الأعلام الأمريكي، على عمليات السلب والنهب التي قام بها أصحاب البشرة السوداء، مع العلم حوادث السرقات أشترك فيها كثير من اصناف المجتمع الأمريكي، مع تجاهل تغطية المسيرات الحاشدة للمجتمع الأمريكي العفوية التي نددت بهذه الجريمة.
الولايات المتحدة الأمريكية مقبلة على إنتخابات رئاسية، ثم إن المجتمع الأمريكي يتأثر بعاملين، هما قطاعي الأمن والإقتصاد، ولأن الإقتصاد الأمريكي يعاني من مستوى نمو ضعيف بل ومتراجع بلإضافة للكساد الذي أصابه جراء جائحة كورونا، مع إرتفاع نسب البطالة في المجتمع الأمريكي، وأعتقد جراء هذه المعطيات دفعت [دونالد ترامب] ومستشاريه للعب بالورقة العنصرية، ورب سائل يسأل لماذا؟ وكيف يستثمر ذلك في الإنتخابات؟.
إن أصحاب البشرة السوداء يشكلون من 10_15% من نسبة سكان الولايات المتحدة الأمريكية، غالبيتهم يعانون من الفقر والتشرد والأمية، لذا فنسبة مشارتكهم وتأثيرهم في الإنتخابات ضعيفة جدا"، وبطبيعتهم هم ميالون للحزب الديمقراطي، بسسب سياسات الجمهورين المتطرفة، نستطيع أن نقول هم خارج حسابات الحزب الجمهوري، لكن حادثة فلويد حولت أصحاب البشرة السمراء، أداة ضغط تدفع البيض للتمسك بالحزب الجمهوري وتحديدا".
إن مكانة الإعلام الترامبية، وعبر سياسة العقل الجمعي، ونتيجة إحتقان أصحاب البشرة السمراء على السياسات الحكومية، توجهت جموع هذه الأقلية الأمريكية بإتجاه مراكز الشرطة وإحراقها، ثم الهجوم على المراكز التجارية، والقيام بعمليات السلب والنهب والحرق، وعموم هذه المراكز تعود ملكيتها لأصحاب البشرة البيضاء، وكذلك بعض حوادث القتل التي حصلت بأتجاه البيض من قبل أقلية فلويد، ولدت حال من الذعر لدى الأمريكان البيض، ولا بد ان لا يكون تعاطف معهم من قبل الحكومة الأمريكية، وأن تتعامل معهم بحزم، وهذا لا يتحقق إلا من أناس متطرفين أصحاب نزعة عنصرية، وذلك لن يكون إلا عند الجمهوريين وتحديدا زعيم التطرف العنصري(ترامب).. فالغاية تبرر الوسيلة ويبدو إن ترامب وحزبه الجمهوري منصهرون بالسياسة الميكافيلية، لأنها الطريق المؤكد للولاية الثانية.
https://telegram.me/buratha