محمد علي السلطاني ||
قليلون هم من يصنعون التغيير ، وينعشون روح الامة ،بعد أن توالى الظلمة والطواغيت عليها ظالم تلو ظالم لقرون عجاف، فقدت فيه الامة حيويتها وقدرتها على التأثيرها والتفاعل مع مجريات الحياة .
اجل .. لقد شاخت روح الامة الاسلامية بشكل عام ،والشيعية على وجه الخصوص ، فبلغت من الوهن والضعف مبلغأ عظيمأ لا يحمد عقباه ، حتى استساغت اجيالها ،وتقبلت كل مايحط من شأنها ويخدش كرامتها ..! وتدجنت شعوبها وشبابها على ايدي طواغيت، ساهم النصارى واليهود بتسليطهم على مقدرات الامة ،حتى غرق الاسلام والمسلمين في وحل التأمر والفتن والحروب البينية ، التي يرعاها اعداء الاسلام واعداء الانسانيه ، فاغربت شمس المسلمين بعد ان انارت بأشراقها الخافقين .
من وسط ركام ذلك اليأس وتلك الانكسارات ، اعلن الإمام الخميني رحمه الله ثورته ، وشع من غرة جبينه العلوي ، شعاع الأمل وبريق الثورة والتغيير ، ليهب من روحة روحأ ثورية تنعش جسد الامة السقيم ، لينفض عن ثناياه غبار الذل، معلنأ عودة مجدها التليد .
لم تكن غاية روح الله (قد)، أن يحدث تغيرا يقتصر على المسلمين فقط ، بل تعدى ذلك ، ليكون تغييرأ لمسار العالم اجمع ..! لكن كيف..؟وما سر ثقته بنجاحه ..؟
إجابة ذلك حاضرة في شذرات حديثه ، وتطبيقها العملي حاضر ايضأ في كل حركاته وسكونه .
يقول روح الله في نظريته التي اعتمدها في التغيير ،ووضعها منهاجأ ومنهلأ للمصلحين ،
" تغيير العالم يحتاج إلى مجموعه كتب ، ومنضدة صغيرة ، وفراش بمستوى الارض، ووسادتين ، وقلب يسكنة الله "
اذن نحن امام قاعدة فلسفية متعددة المضامين ،تحمل مفاتيح العمل واسرار نجاح المصلحين، بغيرها لن يكون شئ اسمه اصلاح ..!
وسنحاول هنا تطفلأ ، تسليط الضوئ على هذه القاعدة التي تمثل فلسفه الاصلاح عند روح الله ، لعلنا نوفق بفهم معانيها الدقيقة والعميقة .
لقد استهل الإمام (قد) حديثه
ب:تغيير العالم .. وهنا اشارة الى ان هدف المصلحين الحقيقيين هو اصلاح العالم ، فمشاريع العظماء لابد أن تترك بصمتها في العالم اجمع، وهكذا كان الامام الخميني ، اذ وضع اصلاح الانسانية اجمعها نصب عينيه ، لما تعانية البشرية اليوم من مشاكل وبؤس احال فيها الطواغيت دنيا الناس الى جحيم .. اذن لابد من التغيير .
ثم عرج الامام قدس سره، بعد ذلك الى مفاتيح او اليات التغيير ، ومنها مايتعلق بشخص المصلح لا غير فهي
مجموعة كتب : يعني ان صاحب مشروع التغيير والاصلاح يجب ان يتمتع بالثقافة والعلم وسعة الاطلاع ، عبر القراءة وبصورة دائمة ومستمرة دون انقطاع ، وهنا لم يحدد الامام ماهيه الكتب ، فلم يحصرها مثلأ بكتب متعلقة بالدين أو الشريعة، كونه رجل دين وهي الاقرب الى اختصاصه ، بل تركها مفتوحة عامة شاملة لشتى العلوم والمعارف ، فالثقافة كما قيل :
اخذ شئ من كل شئ
ثم انتقل الإمام بحديثه ليصف مكان اقامة المصلح او صاحب مشروع التغيير ..! كيفيته ، اثار المكان و ابعادة النفسية على المصلح وعند الجمهور ..!
فكان رحمه الله دقيقأ في تبيان شباك إفساد المصلحين ، وبالتالي فساد مشاريعهم واتيانها بنتائج عكسية ، اذ يلمح الامام رض ، ان المكان وزبرجه وزخرفه هو اول بوابات نفوذ الدنيا الى نفس صاحب مشروع التغيير ، فتكون الارضه التي تنخر بالثورة والاصلاح بهدوء فتحيله الى ركام .
اذن شكل دنيا المصلح او مكتبه ان صح التعبير في نظرة الامام يكون : منضدة صغيرة ..!
نعم هي البساطة ،ومافيها من اثار نفسية تحمي المصلحين من الالتصاق في الدنيا، وتجعل منها بلسمأ صادقأ تطمئن عنده الضمائر وتطيب النفوس .
ثم يقول الإمام : وفراش في مستوى الارض ..! اي كونو ترابيين وتزينو بها ولا تفارقوها ، وهي دعوى صريحة لستهجان التكبر ونبذه ، انه الشعور بالعبودية لله والتواضع لعبادة .
بعد ذلك ذكر الامام قدس سره عبارة ( وسادتين ) .. ولعل المقصد هو ابعد من مدلول هذه الكلمة ، فلسان الحال يشير الى ماهية اثاث مكاتبكم ايها المصلحون يا اصحاب مشاريع التغيير..!
يقول لهم تمسكو والتزمو البساطة، وابتعدو عن كل مايأسركم بالدنيا ... فما ابلغها من ابعاد تربوية واخلاقية ونفسية
ختامأ .. اختتم (قد) نصيحته بعبارة
وقلب يسكنة الله .. وهنا يكمن سر القدرة والعزيمة والانتصار، انها الثقة المطلقة، وحسن التوكل على الله ،الذي بيده مقاليد الامور ومفاتيح التغيير ، وهنا دعوه الى ذوبان قلوب المصلحين في الله ، وما لهذا الذوبان من اثار عجيبة ، ففي الحديث القدسي الشريف
( ... فأذا احببته كنت يده التي يبطش بها، وسمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، وقدمه التي يسير بها...)
خلاصة لماتقدم ، يؤكد الإمام أن كل تلكم المقدمات ، وما ترنو اليها من اهداف للتغيير والاصلاح ، لن تتحقق مالم تتوج بقلب يسكنه حب الله ، فكان رضوان تعالى عليه في كل عمل يرى الله قبله ومن خلاله وبعده .
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha