تمر في الخامس من حزيران من كل عام ذكرى مايسمى في الإعلام العربي (نكسة حزيران) وهي العبارة التي إبتدعها العرب ويتناولونها في أدبيات الصراع العربي ـ الصهيوني على حرب الأيام الستة التي نشبت بين الكيان الصهيوني من جهة وبين مصر وسوريا والأردن من جهة أخرى في العام1967، دون أن يخجل قادة هذه الدول وعلى إختلاف أجيالهم وإلى يومنا هذا من كلمة (النكسة) في حرب خاطفة وسريعة تكبدت فيها قوات الدول العربية مجتمعة أكثر من عشرين ألف شهيد مقابل أقل من ألف قتيل فقط من الكيان الصهيوني الغاصب. لقد أنقذ قرار مجلس الأمن المرقم 242،القاضي بوقف إطلاق النار،في حينها الدولَ العربية المشترِكة في الحرب من إحراجها في محنة مواصلة المواجهة بعد تكبد القطعات المقاتلة خسائر جمَّةً في الأشخاص والتسليح والتجهيز،وتدمير عدد من الطائرات المقاتلة والسمتيات،أحياناً أثناء القتال الجوي كما حصل مع القوة الجوية المصرية والقوة الجوية السورية،وأحياناً تدمير الطائرات وهي جاثمة على أرض قواعدها كما حصل مع طائرات عراقية غرب الأنبار،لتنتهي الحرب باستيلاء دولة الكيان الصهيوني على سيناء المصرية وقطاع غزة الفلسطينية والضفة الغربية(التي كانت تحت السيطرة الأردنية) إضافة الى الجولان السورية ، كما أفضت الحرب الخاطفة وشهية الإنتصارات الصهيونية فيها الى تمكن الكيان الغاصب من إحتلال مدن وقرى فلسطينية جديدة بينها القدس والخليل. كان للدول العربية الثلاث التي خاضت الحرب ثلاثة أنماط من أنظمة الحكم المتباينة،وكانت بأجمعها يربطها رابط مشترك واحد هو الشعور القومي الذي من خلاله يعبِّئون الجماهير في بلدانهم ويغازلون مشاعرهم العنصرية بغية الإنقضاض على السلطة،وبالفعل تحول النظام المصري ذو التوجهات القومية،الى نظام ديكتاتوري وصل به الحد الى إعدام معارضيه السياسيين الذين كان من أشهرهم المعارض الإسلامي سيد قطب في آب العام1966،وتحول النظام الملكي ذو النزعات القبلية(الهاشمية) في الأردن الى إسلوب الإبادة الجماعية للفلسطينيين الذين كبدوا الكيان الصهيوني خسائر فادحة في معركة الكرامة في العام1968 ما دعا الإمبريالية الأمريكية وربيبتها دولة الكيان الصهيوني الى الضغط على الملك حسين بن طلال وإجباره على ضرب المقاومة الفلسطينية المسلحة المتواجدة على اراضي بلاده بمدفعية الميدان وقنابر الدبابات بحجة سعيها الى الإطاحة به ومن ثم إتهامها بترتيب محاولة اغتيال له،فكانت الجريمة العربية القومية البشعة التي قامت بها السلطات الأمنية الأردنية لتصفية الحركة الفلسطينية على أراضي الأردن بحملة عسكرية مدمرة بما عرف بعمليات أيلول الاسود في العام 1970. أما النظام السوري آنذاك بقيادة حافظ الأسد،الذي كان ينتهج منهج حزب البعث الفاشي في جناحه السوري،لم يكن يتعاطى مع خصومه السياسيين بهذه الضراوة على وجه الظاهر من تأريخ الديكتاتورية البعثية في دمشق،لكن التأريخ لن ينسى المجزرة الرهيبة التي راح ضحيتها آلاف القتلى من المدنيين في مايسمى تأريخياً (مجزرة حماه) حين تصدى النظام السوري الى الهجمة السلفية للإخوان المسلمين في سوريا وأقر حكم الإعدام فيما بعد لكل من ينتمي الى هذه الجماعة الراديكالية المتطرفة. وبذلك يكون قادة ثلاثة أنظمة عربية قوية (مصر وسوريا والأردن) جبارين على شعوبهم،متمكِّنين من بسط السطوة والجبروت العسكري والسياسي والمخابراتي لتثبيت أركان حكمهم،ولكنهم في الوقت ذاته كانوا جبناء وفاشلين ومنكسرين في مواجهة عدوهم المشترك الذي اعتدى على قيمهم وأعرافهم ومقدساتهم العروبية والإسلامية في فلسطين وخارجها،بل إقتطع أيضاً أجزاءَ واسعةً من الأراضي التابعة لبلدانهم العربية التي يحكمونها بالحديد والنار. لقد تبخّرت عناوين العروبة والإسلام من الحيثيات العقيدية لهذه الأنظمة العربية التي كان قادتها يناورون بها للبقاء في الحكم،ولذلك كان سهلاً عليهم بعد حين أن يقبلوا بالتطبيع مع هذا العدو المشترك،بل وتمكن حكام بعض الدول العربية من تجاوز الخطوط الحمر ليفتتحوا سفارات للكيان الصهيوني في عواصمهم،وبذلك تتساقط أوراق التوت عن عوراتهم القومية والإسلامية التي يتبجّحون بها. وربَّ قول..أنفذُ من صَوْل. ناصرية ـ دورتموند / ألمانيا
5حزيران2020
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)