عبد الكاظم حسن الجابري ||
يعيش المجتمع العراقي حالة مهولة من السلبية والتذمر والاحباط, ولا يكاد عراقي تسأله الا ويجيب عن واقع سوداوي ومأساوي.
المشكلة الكبرى في مجتمعنا, هي ان السوداوية والسلبية يمارسها الغني والفقير, والموظف والعاطل, والمسؤول والمواطن, فتراهم كلهم متذمرين شاكين ايسين غير متأملين بشيء ايجابي ابدا.
نملك نحن العراقيون ارثا كبيرا من حضارة قادت الامم السالفة, ومن ثقافة القت بظلال فنونها على الدول والمجتمعات الاخرى.
لم يشفع هذا الارث في بناء مجتمع ايجابي او تنموي, بل على العكس عمد صنّاع السلبية على تثبيط الهمم, والغاء الشخصية الفاعلة والمتنورة للفرد العراقي, فاصبحنا عبارة عن ادوات خاملة, لا تتفاعل مع المستجدات بنظرة مشرقة, انما بدأنا نشكك في كل شيء, ولا نثق بنوايا الآخرين, ونحمل جميع الافعال على محملٍ سيءٍ وننظر للآخرين بسوء الظن, رغم ان ثقافتنا الاسلامية التي ورثناها عن ائمة اهل البيت عليهم السلام جاءت بالأثر المنقول "احمل اخاك المؤمن على سبعين محمل فان لم تجد فالتمس له محملا".
قد تحدث عن هذا الموضع السيد اية الله محمد تقي المدرسي, خلال خطبة له في مكتبه في كربلاء القاها بتاريخ 14 شباط 2020 حيث قال " بأن الشعب العراقي كان شعباً متميّزاً يقوم بقيادة العالم الإسلامي بأسره، حيث كانت بغداد عاصمة العالم الإسلامي، ولكنّ سقوطها بيد هولاكو، سبّب نكسةً ثقافية لدى أبناءه، مما أخذت ثقافته تتسم بطابع الحزن، ولكنّ الأمر بات اليوم أسوء مما مضى، بسبب الوسائل الإعلامية المتنافسة والتي لا تظهر سوى المعايب والسلبيات، ومحاولة تحطيم الجهة المقابلة.
وبيّن المرجع المدرسي أن الشعب العراقي يمتلك أدباً رفيعاً في مخاطباته، ولكنّ هذه الثقافة السوداوية، أدّت بالبعض إلى أن يستعملوا الخطاب الرذيل والمهين، مشيراً إلى أن من سمات التراجع الثقافي الحاصل، هو الاتهام السريع والمتبادل بين ابناء الشعب، مما أدى إلى البعض أن يتهجّم حتى على حماة البلد والمدافعين عنه".
الحقيقة حاولنا تفحص الاسباب التي ادت الى هذه السوداوية القاتمة, والسلبية المتوحشة وخصوصا في سني ما بعد 2003.
ما تحصلنا عليه من استنتاج هو ان الاعلام كان الفاعل الاول في نشر السلبية في العراق, فاغلب الاعلام الموجه هو اعلام معادي لتجربة مابعد 2003, وكان هذا الاعلام بالخصوص موجه ضد الوسط والجنوب, فترى الحدث البسيط في الجنوب يُضَخَّم ويؤل ويُكَبّر, فيما يُتَغاضى عن حدث مثله في كردستان او الموصل او المناطق الغربية, وخير شاهد على ذلك هي الخلافات العائلية التي تم تضخيمها.
وقد اكد هذا الأمر السيد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي, حين تحدث عن لقاءه مع المدعو سعد البزاز مالك قناة الشرقية, حيث قال البزاز للحلبوسي "هذه ليس دولتنا واحنا شما بينا نهدمها"
ايضا كان الاعلام الحزبي اداة فاعلة في نشر السلبية في بلدنا, فالقنوات بدأت تعمد الى اظهار سلبيات يكون مسؤولا عنها احد المسؤولين من الحزب المنافس, فمثلا تقوم قناة بنقل سوء خدمات في محافظة معينة, ليس حبا في المحافظة او رغبة في تحسين الواقع الخدمي, بل بغضا بمحافظها الذي ينتمي الى جهة منافسة للجهة الحزبية المالكة للقناة.
كذلك فشل الاعلام الحكومي في دفع الشائعات والاكاذيب التي تثار, وفَشَلُهً في التصدي للقنوات المغرضة كان ايضا سببا في انتشار السلبية.
مواقع التواصل الاجتماعي والاعلام الالكتروني بصورة عامة, كانت اداة مهمة في نشر السلبية, ومن يتابع بدقة يجد ان هناك منهجية متقنة تديرها ايادِ خفية لتحطيم الشعب العراقي لتجعله مجتمعا بائسا.
التصريحات الكبيرة, والارقام الكاذبة والمضخمة, التي يطلقها بعض المسؤولين العراقيين, الذين اعتادوا الظهور على شاشات التلفاز, واعتادوا ان يكونوا جدليين, من نواب ووزراء وسياسيين –وكذلك بعض المحللين والكتاب- كانت ايضا لها الاثر الكبير في توسيع رقعة السلبية والاحباط في مجتمعنا.
المادية والحسد كانا جانبا اخر في نشر السلبية والاحباط, فصار العاطل يحسد الموظف, والموظف يحسد المسؤول, واصبحت التعيينات باب من ابواب نشر السلبية واليأس, حيث استأثرت الاحزاب بالنسبة الكبرى من التعينات, فيما يجد المستقلون انفسهم بعيدين عن حقهم في بناء الدولة.
ما يجب ان نشير اليه هو ان السلبية لم تكن صدفة او سلوك خاطئ ناشئ من حركة المجتمع التلقائية, لا ابدا! ما تبين لنا من خلال متابعتنا للإعلام بكل مفاصله, إن هناك منهجية ثابتة ومعدة بإتقان لنشر هذه السلبية, ورب سائل يسأل لماذا ينشرون السلبية؟ وما فائدتها لهم؟! والجواب بسيط جدا, وهي ان المجتمع السلبي والبائس سيكون قنبلة موقوته في اي لحظة لتدمير البلد بأيدي ابناءه, وبدون ان تخسر الجهات التي نظمت نشر السلبية اي دم او اموال, وللدكتور صادق السامرائي رأي لطيف بهذا الصدد ذكره في مقاله الموسوم (السلبية الطاغية والايجابية اللاغية) حيث قال "وواقع الحال لا يتفق والسلبية المبثوثة المستولية على وسائل الإعلام والاتصال , ويبدو أنها مدروسة ومقصودة وتمضي وفقا لبرمجة سلوكية دقيقة, وذات أهداف مرسومة وخطط معلومة, وقعت ضحيتها عن دراية أو جهل وسائل الإعلام في دول الأمة كافة.
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ينتشر ما هو سلبي ومهين للأمة, ومسفه لحاضرها ومستقبلها, ويروّج لهذه الرسائل والمخاطبات أبناء الأمة, الذين تستثير عواطفهم الصور والكلمات, وآليات إخراج الخبر وأساليب بثه وتسويقه, لكي يتحقق استلاب إرادتهم وتشويش وعيهم, وبرمجة أدمغتهم لتأهيلهم للقيام بأدوار تحقيق أهداف الطامعين بهم"
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha