عباس قاسم المرياني ||
البصرة مدينتي الطيبة التي تعشق الحياة، تزرع الورد لتنشر العطر، تقطع لحمها لتطعم غيرها، تنزف الدم لتروي ارض العراق، ينابيعها الغناء بالخيرات تسقي أبنائها العطشى، لطالما ارهقتها الحروب والنوائب، واضعفها الجوع والعطش، الا انها بقت شامخة كنخلها الباسق، وشطها العتيد على مر التاريخ، فهي ام الحضارة فلها من الإرث الحضاري ما يوازي، او يعلو على غيرها من المدن، ولدت رجال الادب والعلم والتاريخ والبطولة، كالهفهاف بن المهند البصري، وأبو الأسود الدؤلي، والفراهيدي، وسيبوية، والجاحظ، وابن الهيثم وغيرهم الكثير، وفي حاضرها كان ال النقيب، والسياب، واحمد مطر، والشهيدين أبو مهدي المهندس وأبو تحسين الصالحي والقائمة تطول، قدمت قرابيين الشهداء ولا زالت تقدم.
هذه المدينة تعد عاصمة العراق الاقتصادية، وواجهته السياسية، لما تملكه من الموارد الطبيعية والصناعية التي تغطي ٩٠٪ من خزينة العراق المالية، الا ان ما تعيشه هذه المدينة من الفقر والاهمال والبطالة وقلة الاعمار الشيء العجب على الرغم من كثرة مواردها.
والحالة الاجتماعية للمدينة، فبالنظر لتنوع سكانها وتكاد تكون حاضنة لكل اطياف العراق الاجتماعية، والدينية، ويزورها اجناس عديدة من كافة الدول الاجنبية منها الايدي العاملة، والشركات، والزيارات السياسية والتجارية، فضلاً عن ذلك مدينتها الرياضية التي شُيدت في الآونة الأخيرة كان لها دور في انفتاح المدينة على العالم وانفتاح العالم عليها.
وهذه الزيارات والانفتاح الذي ذكرناه كان لا بد ان تكون مردوداته ايجابية على مجتمع البصرة نظراً للتمازج والتلاقح بين الثقافات الأخرى الذي يزيد من ارثها الثقافي والاقتصادي ايضاً، الا ان الذي نراه هو العكس، فنجد المجتمع البصري في تدني وانحدار، والصراعات والخلافات والاقتتال باتت ثقافة منتشرة فيه بشكل كبير ولافت للنظر ولأسباب تافهة، فمثلاً منطقة شمال البصرة لا يكاد يمر يوم دون حدوث تقاتل وبالأسلحة الخفيفة والثقيلة، ومناطق غرب البصرة لا تخلو من عمليات القتل والسلب المستمرة، ومركز المدينة ايضاً اصبح ممتلئ بالصراع والتناحر لأسباب بسيطة جداً، اما من اجل مباراة كرة قدم، او قطعة ارض وغيرها، فضلاً عن ذلك التناحر الحزبي الذي يريد فرض سيطرته على المدينة، فأما يعمل على التصفية الجسدية، او انزال عناصره الى الشارع البصري بمسمى تظاهرة وتحدث مواجهات وقتل بينهم وبين قوات الامن، هذه الأسباب وغيرها يذهب ضحيتها العديد من ارواح أبناء المدينة، هذه الروح التي حرم الله ازهاقها وفضل هدم الكعبة ولا قتل نفس بريئة، وفي كل الحالات الخاسر الوحيد هم أبناء المدينة.
اما الحالة الاقتصادية للمدينة فهي الأخرى من اهم أسباب الاقتتال والتناحر، فكل من هب ودب يصارع من اجل استغلال موارد هذه المدينة، فالموارد النفطية سُلمت لشركات احتكارية وليس استثمارية تتصدق على البصرة وابنائها، والمنافذ الحدودية تسيطر عليها جهات عدة، ومواردها الأخرى من المعامل والمصانع والزراعة فهي مهملة عن قصد لقتل اقتصاد البلد ودعماً لاقتصاديات الدول الأخرى، فباتت البصرة البقرة الحلوب، او "الجمل اليحمل ذهب وياكل عاكول".
وفيما اذا ارادت الحكومة العراقية استعادة وضع البصرة واستقرارها فعليها العمل خطوتين فقط لا غيرها، أولاً تشريع نظام حكم سياسي خاص بالبصرة وان كان دكتاتورياً فقد مللنا الديمقراطية المكذوبة؛ للقضاء على التناحر السلطوي الذي يذبح بالمدينة، ثانياً تشكيل مجلس اقتصادي خاص بالبصرة للسيطرة على مواردها واستثمارها بما يخدم أبناء البصرة اولاً والعراق ثانياً، وجعل من المدينة مركز اقتصادي عالمي مهم يضاهي المدن الاقتصادية الأخرى.
ارحموا البصرة الحسناء الرقيقة وارفقوا بها فأنينها مستمر دون هوادة؛ فالعفيفة تنحر نفسها ولا تُغتصب.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha