د. جواد الهنداوي *||
في مقال كُتِبَ و نُشِرَ بتاريخ ٢٠٢٠/٥/٣١، عرّفّنا
القانون المذكور وشرحنا وحلّلنا اسبابه و تداعياته ، وسنكرّس هذا المقال لأتمام ما سبقْ .
القانون لا يستهدف فقط حصار سوريا ،وانمّا حصار لبنان والدول العربية وبدرجات متفاوتة،وفقاً لارادة كل دولة في توجهها نحو سوريا ،في التبادل السياسي والدبلوماسي و الاقتصادي و العسكري ، ويستهدف القانون كذلك ،روسيا و ايران ، ويسميهما .
هددت امريكا ،على لسان مندوبها الخاص لسوريا ،جيمس جيفري، و في مؤتمر صحفي يوم ٢٠٢٠/٦/١٧ ، الامارات ، بشمولها بعقوبات قانون قيصر ، ان تواصلت اقتصادياً او دبلوماسياً مع سوريا ( جريدة القدس العربي ، بتاريخ ٢٠٢٠/٦/١٨ ) . مع الإشارة أنَّ الامارات ماضيّة بخطوات تطبيع مع اسرائيل ، وقد تكون نيّة الامارات في التواصل الدبلوماسي مع سوريا ، وعلى مستوى سفارة هو ان يكون لدبلوماسيين أماراتيين تواجد ميداني في دمشق ، و هي مُقبلة على انتخابات في نيسان عام ٢٠٢١. و امريكا و اجهزتها يخططون ،من الآن ، للتأثير على الرأي العام للشعب السوري ، ولكي تكون نتائج الانتخابات مناسبة و فرصة لتغيير النظام .
أصدرت امريكا كذلك قائمة بأسماء الشخصيات السورية التي طالتها العقوبات ، وفي مقدمة هذه الشخصيات ،السيد الرئيس بشار الأسد و حرمهِ .و نعتقد ستليها في الايام المُقبلة قوائم أخرى تضّمُ شخصيات لبنانية و عراقية سياسية تتبنى آراء و مواقف مناهضة للإمبريالية الامريكية وللصهيونية ولاسرائيل ، و تنتصر لارادة شعوبها في التحرر والاستقلال، والدفاع عن السيادة الوطنية .
يكفي لتبيان نزوات و غرائز الرئيس ترامب ، في اصدارهٍ عقوبات تخالف القانون الدولي ، و تخلوا من ايّ بعد انساني او سياسي او اخلاقي ، أنْ نستشهد بتهديده بمعاقبة قضاة محكمة الجنايات الدولية أنْ هم اقدموا على توجيه اتهامات لضباط امريكين بارتكابهم جرائم حرب في أفغانستان !
مثلما تفكر إدارة ترامب بالانتخابات السورية القادمة ،في نيسان عام ٢٠٢١، تاريخاً حرجاً لسوريا وللرئيس السوري بشار الأسد ،وتتمناه فرصة مناسبة لتغيير النظام ، يفّكرُ محور المقاومة ،بجناحيه الإسلامي بقيادة ايران و العربي بقيادة سوريا ،بالانتخابات الامريكية القادمة في شهر نوفمبر تاريخاً حرجاً للرئيس ترامب ، ومناسبة لحرمانه من ولاية ثانية .
فرضت امريكا بموجب قانون قيصر الحصار ، و تعّول الإدارة الامريكية على تذمّر الشعب ، وستعمل بكل الوسائل المتاحة لها بتأجيج الشارع وتكرار سيناريو عام ٢٠١١ في سوريا " الربيع العربي " .
إذاً ماذا عَّدَ محور المقاومة ؟
كان الخطاب الأخير للسيد حسن نصر الله ، بتاريخ ٢٠٢٠/٦/١٧ ، اعلاناً واضحاً و صريحاً عن أمريّن :
الامر الأول هو إرادة القوة والمبادرة بالمواجهه التي يتبناها المحور (روسيا ،ايران ،سوريا ،اليمن ،وفصائل المقاومة ، وفي مقدمتهم حزب الله ) .
و كترجمة لهذه الإرادة ، تميّزَ خطاب السيد حسن نصر الله بلهجة التهديد والوعيد والقتل ، و انتقلَ السيد من مرحلة و شعارها " هيهات منّا الذّلة " الى مرحلة " سنقتل من يجرّدنا من سلاحنا ، و يجوّع لبنان " .
أيران ،هي الاخرى ، بدأت باتخاذ إجراءات و مبادرات اقتصادية و عسكرية ، وقبل تطبيق قانون قيصر ، لاعلام كل مَنْ يهمهُ الامر ،بانها و حلفاءها لم و لن يضعوا ايّ اعتبار لقانون قيصر ، والذي يفرض الحصار على سوريا ويفرض عقوبات على كل طرف يتعامل مع سوريا ، و لتكريس هذا النهج الرافض سيّرت ايران سفنها الى فنزويلا محملّة بالوقود وقطع الغيار ، ومستمرة في إرسال السفن ، كما انها شكّلت وفداً اقتصادياً رفيع المستوى ، و سيزور سوريا قريباً جداً ،لتعزيز التعاون الاقتصادي و امداد سوريا بما تحتاجه من مواد و معدات .
وبدأت ايران ايضاً بالكشف عن المزيد من القدرات العسكرية ، وخاصة في دقة الصواريخ و مدياتها .
تنصحُ ايران اليوم تركيا بالحذر من ترامب ومن مكائده و من الفخ الليبي ، و تؤكد لها استعدادها بالتعاون لضمان أمنها و مصالحها في المنطقة ،باعتبارهما ضرورة لأمن و استقرار المنطقة .
أمريكا تدرك أهمية الدور الفرنسي في ليبيا ، ولن تضحّي بعلاقاتها الاستراتيجية مع فرنسا لارضاء تركيا ، وامريكا و اسرائيل ، يدركان أهمية ليبيا لمصر و لن يضحياّن بعلاقتهما مع مصر من اجل مغامرة امريكية تركية غير مدروسة و غير محسوبة العواقب في ليبيا !
ستشهد الايام المُقبلة ،إجراءات و تداعيات قانون قيصر ، ونحن نقترب ،يوماً بعد يوم ،تاريخ الاستحقاق الانتخابي الامريكي ، و ستشهد الايام المُقبلة ايضاً تصعيد عسكري و صاروخي في المنطقة لإحراج الرئيس ترامب !
ماذا عن دور روسيا ؟
ستردُ روسيا على إجراءات قانون قيصر ضدها و ضّد محور المقاومة في الساحة الليبية ، ستوسّع مساحة الاشتباك المزعج لأمريكا و لتركيا من الساحة السورية الى الساحة الليبية ، بالتعاون مع حليفها الجنرال حفتر وبالاعتماد على حضورها العسكري و خاصة في قاعدة الجفرة الجويّة .وللقاعدة أهمية استراتيجية دولية ،اذ ان تواجد الروس فيها يشكل خطراً على حلف الناتو والمصالح الأوربية ،حسبما ترى الدوائر الغربية ، وهذا ما تحدّث به الامريكان مع الأوربيين خلال اللقاءات التي جمعتهم في إطار حلف الناتو . لم يتوقف الأمين العام لحلف الناتو عن تكرار تصريحاته بشأن التواجد الروسي البري و الجوي في ليبيا ، و آخر تصريح له في يوم ٢٠٢٠/٦/١٦ ،بمناسبة اجتماع وزراء دفاع الحلف الأطلسي في بروكسل ،حيث اعرب عن قلقه من التواجد الروسي في قاعدة الجفرة والتي تغطي شرق الأبيض المتوسط .
أمّا الامر الثاني الذي نستخلصه من خطاب السيد حسن نصر الله ، هو التنسيق والترتيب بين أطراف محور المقاومة، دولاً و حركات و فصائل ، لمواجهة تداعيات قانون قيصر و ما ستقدم علية الإدارة الامريكية من إجراءات تصعيدية . تضمّن الخطاب مواقف تُعّبر صراحة عن المحور ، كالموقف الذي يحول دون سقوط النظام ، و يمنع تجويع الشعبيّن السوري واللبناني .و الموقف الداعي الى التوجّه شرقاً اقتصادياً و سياسياً و عسكرياً ، نحو الصين ،نحو روسيا ، نحو النمور الاسيويّة .
* سفير سابق /رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل
في ٢٠٢٠/٦/٢٠ .
https://telegram.me/buratha