د. هاتف الركابي ||
يفاجأنا مرة أخرى مجلس الوزراء بقرار آخر بعد القرار الاول المتعلق بالموظفين والمتقاعدين ، إذ صوت مجلس الوزراء اليوم على صدور القرار ذي الرقم ( 27 ) لسنة 2020 حول رواتب محتجزي رفحاء.
فمن المعلوم ان النص الدستوري هو الحاكم وهو الذي يسمو على بقية نصوص التشريعات الاخرى مهما كانت ، فالمادة ( ١٤ ) من الدستور قد نصت على ( العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماع) . ولكن شاهدنا مجلس الوزراء بقراره قد خالف هذا النص الدستوري عندما حدد إيقاف رواتب محتجزي رفحاء من مجاهدي الانتفاضة الشعبانية سنة ١٩٩١ ، وضحايا حلبچة الذين لجأوا إلى إيران سنة ١٩٨٨ ممن تعرضوا للابادة الجماعية بسبب السلاح الكيمياوي البعثي ) ، وهنا نشير إلى أن نص هذا القرار سيطبق على محتجزي رفحاء فقط ولا يطبق على فئة ضحايا حلبچة، لأن هناك نصوص دستورية حاكمة تعطي الحق لهم لكونهم من مواطني الاقليم وبالتالي فأن تلك النصوص الدستورية قد منحت الاقليم بتطبيق سلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية التي لها الاولوية على قوانين المركز في حالة الخلاف وهذا ماأكدته المادتين ( ١١٥ ، ١٢١ ) من الدستور ، وبذلك فأن هذا القرار سيطبق على محافظات الوسط والجنوب ولا يطبق على محافظات الاقليم ، وهذا التمايز مخالف لمنطوق ومضمون المادة ١٤ من الدستور ، ومن يدعي بعكس ذلك فليأتيني بالدليل من الدستور.!! ومن جانب إخر والذي يدعو للاستغراب وإيلاماً بالنفس التمييز الواضح والفاضح عندما نص القرار على شرط الاقامة في العراق للمتقاعدين من محتجزي رفحاء فقط دون غيرهم من المتقاعدين لاستلام الراتب التقاعدي ، وهذا غاية التمييز ، لان فلسفة التشريعات يجب ان تطبق على الجميع ، فلا يمكن استثناء اكثر من نصف مليون متقاعد ، معظمهم من المقيمين في ( تركيا او في البحرين او في عمان او في الامارات او في قطر ) من شرط الاقامة في العراق مثلما يطبق على الاخرين من المحتجزين والسجناء، فالجميع يشملهم القانون ولا يمكن شمول فئة معينة بعينها دون أخرى،، ولعمري فأن في ذلك قسمةٌ ضيزى ..
ومن جانب إخر أن مجلس الوزراء قد خالف بقراره هذا قاعدة التدرج الهرمي للتشريعات ، فالقوانين لا تلغى الا بقوانين .. فلا يمكن للقرار الذي يقع في ذيل التدرج الهرمي أن يلغي قانون ، فكل مايتعلق بمحتجزي رفحاء وضحايا حلبچة قد تم تحديده بموجب قانون مؤسسة السجناءالسياسيين رقم ( ٤ ) لسنة ٢٠٠٦ والمعدل بموجب القانون رقم ( ٣٥ ) لسنة ٢٠١٣ ، فلا يمكن للقرار أن يلغي القانون المصوت عليه في مجلس النواب ، ومجلس الوزراء بهذا القرار قد خرق مبدأ الفصل بين السلطات وجعل من نفسه مشرعاً وتنفيذيا في آن واحد ، وهو بهذا الفعل قد تجاوز على اختصاص ليست من اختصاصاته ، ومتغولاً على السلطة التشريعية و نص المادة ( ٦١ ) من الدستور المسلوبة . هذا فضلاً عن التجاوز على صلاحيات رئيس مؤسسة السجناء بإعتباره هيأة مستقلة والممنوحة له بموجب القانون والتي تعطيه الحق بإصدار التعليمات والضوابط اللازمة ولَم يعطي القانون الحق لمجلس الوزراء الحق باصدار هذا القرار الذي يعد تدخلاً صريحًا بعمل الهيئات المستقلة التي نص على استقلاليتها احكام الدستور ، مما يعد ذلك مخالفة دستورية اخرى . آخذين بالاعتبار أن قانون السجناء من القوانين الخاصة مما يدعو الى العمل بقاعدة ( الخاص يقيد العام ) فلا يمكن لقرار أن ينسف قانوناً خاصاً ويجعله هباءً منثورًا دون الرجوع الى السلطة التشريعية التي منحت هذا الحق الخاص بموجب القوانين المصوت عليها ..
لذلك نهيب بمجلس الوزراء وعدم الوقوع في فخ الفوضى التشريعبة أن يسلك الطريق التشريعي الصحيح من خلال تقديم مشروع قانون الى مجلس النواب كي يأخذ الاستفاضة بالمناقشة وقياس الاثر في اللجان المختصة وهذه بديهة من مقومات التشريع الجيد والسليم والبرلمان هو المعني بالتشريع من عدمه ، وبخلافه ستكون اشبه بالكتابة على الماء .. مع مراعاة تطبيق النصوص على الجميع لا أن تطبق على جهة دون غيرها او ان تطبق في الجنوب دون الاقليم ، أو أن تطبق على متقاعد دون غيره ، وهذه هي العدالة إن كنتم جادين بتطبيق العدالة ..
وتأسيساً لما تقدم أهيب بالسيد رئيس البرلمان والنائب الاول الاخ حسن الكعبي والسيدات والسادة الاعضاء الى الاعتراض منعاً للتجاوزات الحاصلة وسلب سلطة التشريع ...
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha