المقالات

حين يشوب الأملَ ألمٌ  


علي علي ||

 

    منذ سقوط نظام صدام عام 2003 حتى ساعة كتابة هذا المقال، لم تغب عن مخيلة العراقيين مأساة حكمه لحظة واحدة، إلا أن الذي غاب هو الفرحة والسرور والاستقرار والطمأنينة، وحل محلها الحزن والألم والقلق أضعافا مضاعفة، وهي تزداد مطّردة مع ما يفعله ساستنا المتربعون على كراسيهم العاجية، وما تنتجه بنات أفكارهم من مشاكل وقلاقل وتداعيات، أودت بنا وبالبلاد إلى حيث لا يحسد عليه مخلوق على وجه المعمورة.

  لقد حازت البلاد من جرّاء سياساتهم على الدرجات الأولى في الفساد، ونالت الدرجات الدنيا في توفير أبسط حقوق المواطن، وتجمهرت الأكف والأيادي العاملة باحثة عن لقمة تسد رمقها في "مسطر" أو على أبواب معمل أو شركة، تشكو بدورها فقدان السيولة النقدية وجمود حركة العمل في البلاد، ونتج عن هذا كله كساد وفقر ونكوص حاد في مستوى البلد الاجتماعي والاقتصادي، فضلا عن الأمني، وصارت لكل عراقي قصة مأساوية سوداوية في ظل هذي التداعيات، والأمثلة بهذا الخصوص لاتقف عند رقم أقل من ثلاثين مليون قصة.

  وقطعا لم تأت هذه المأساوية، إلا من واقع الحال المعاش الذي أطبقت فيه أسباب الحزن والأسى كلها على العراقيين إطباقا شديدا، حتى لجأوا -من حلاة روحهم- الى دول المشرق والمغرب بهجرات عشوائية، غير مضمونة النتائج، بل أنها محفوفة بالمخاطر وأدنى خطر فيها هو الموت. وما الهجرات الانتحارية التي قامر بنتائجها الشبان العراقيون قبيل سنوات عبر بحار الموت، أو غابات الهلاك، أو صحارى الضياع، إلا شاهد حي على عظم معاناتهم في بلدهم الغني بالثروات، ولكن لسوء حظهم أن حكامه على تعاقبهم واختلافهم خلال العقود الخمسة الأخيرة، شطوا عن الحكمة في القيادة أيما شطط، ونأوا عن النزاهة والأمانة أيما نأي، وتمادوا في الإساءة الى تأريخ البلد ماضيه وحاضره أيما إساءة، الأمر الذي أضاع الأمل بالمستقبل لدى هؤلاء الشباب، فارتأوا الانتحار سفرا، بعد أن انحسرت خياراتهم في ثلاث مهلكات لارابع لها، فإما الموت غرقا، أو الموت لظروف مناخية، أو الموت على أيدي مافيات المتاجرة بالأعضاء البشرية. هذا كان واقع الحال في العراق الجديد قبل عامين أو ثلاثة، واليوم، هو ليس بأحسن مما كان عليه، بل هو يسجل درجات دنيا بالأمل، وأخريات عليا بالألم.

  ولو عدنا بالزمن الى العراق (العتيگ) واستذكرنا البطش والقمع الذي يتعرض اليه العراقيون يوميا على أيدي النظام الحاكم آنذاك، لوجدنا أن الثلاث المهلكات كانت تحاصر العراقيين أيضا، ولكن بثوب مختلف وأسلوب مغاير، فكان الخيار الأول هو الموت على أعواد المشانق، أو في أحواض الأسيد، أو ضمن مقابر جماعية، أما الخيار الثاني فالموت مرضا وفقرا وفاقة، ولم يبق إلا الخيار الثالث، وهو الموت غربة وغصة وحسرة على بلد أضاعه حاكمه، وبدد ماتحت أرضه من ثروات، وفرق مَن فوقه مِن سكان.

  اليوم -كما هو بالأمس- وقد سُدت أبواب الخلاص من السياسات المتبعة بوجه العراقيين، إراهم ينادون بما نادى به البحتري قبل 1150 عاما حين قال:

يا من يماطلني وصلي بإنكار

ماذا الجفاء وما بالوصل من عار

إني أعيذك أن تزهو على دنف

حيران قد صار بين الباب والدار

أو مستجيرا بوصل منك ترحمه

            مثل الذي قال في سر وإجهار:

"المستجير بعمرو عند كربته

كالمستجير من الرمضاء بالنار"

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك