د . جواد الهنداوي* ||
لم يعُدْ مصطلح التطبيع ملائماً او مناسباً لوصف العلاقة الحالية و العلنية التي تجمع بعض الدول الخليجية بأسرائيل ، و اعتقد أنَّ مُفردة التعاون الخليجي -الاسرائيلي يناسب اكثر هذه العلاقة .
وما يسترعي الملاحظة والتوقف هو أنَّ علاقة التعاون ابتدأت بالجوانب السياسية والعسكرية و الاستخباراتية ، ايّ بتلك التي تهّمُ اسرائيل و امريكا من جهة و تهّمُ ايران من الجهة الاخرى .
مِا هي تداعيات هذه العلاقة ،والتي تَهّمُ طرفيّن بينهما عداوة ، احدهما جغرافياً وتاريخياً يجاور دول الخليج ( واقصد ايران ) ، والآخر يحاورها عسكرياً و استخبارتياً ( و اقصد اسرائيل ) ؟
أمضى هذه التداعيات أثراً هو استمرار حرمان دول المنطقة و شعوبها من ألأمن و الاستقرار والسلام و السيادة والتنمية . الحديث عن أمن قومي عربي ،او عن أمن إقليمي ،او عن خطط لتفاهم أمني خليجي ،عربي او إسلامي هو نوع من الترف الفكري او التنظير ، وهذا ما تريده اسرائيل و ما تسعى اليه أمريكا ، و تدعمه السياسات العربية الخاطئة و العميلة ، و كمثال قيام نظام صدام حسين باحتلال الكويت .
مِنْ هذه التداعيات ايضاً هو أنغماس المنطقة دولاً و شعوباً بعلاقة ايرن بالعرب وليس بعداء اسرائيل للعرب وباحتلال اسرائيل لفلسطين ولاراضي العرب و بالخطر الاسرائيلي التوسعي على دول العرب ، و التهاون و عدم الاكتراث بما تفعله وتخطط له تركيا تجاه سوريا والعراق و المنطقة .
أصبحَ الاتجاه والتوجه السائد على سياسة بعض الدول العربية هو التقرب الى اسرائيل و الى امريكا و معالجة موضوع القضية الفلسطينية بما يرضيهما ، و عداء ايران و الإضرار بمصالحها .
بعض الدول العربية ، وخاصة دولة الامارات العربية المتحدة تنصح و تضغط على اسرائيل من اجل تأجيل تنفيذ قرارها بضم اجزاء من الضفة الغربية و من غور الأردن ، وتحذّرها من انتفاضة فلسطينيّة في الضفة و في غزة ، ستتُشغل اسرائيل طويلاً وتكلّفها كثيراً ، ويصبُ ذلك في مصلحة ايران !
الامارات وبعض الدول الناصحة لاسرائيل لا تريد ان تنحرف بوصلة ممارسة الجهود و الضغوط الاسرائيلية و الامريكية عن ايران وحزب الله ، خوف هذه الدول ليس على ضياع اراضي فلسطينية لصالح اسرائيل ، وانماّ على ما ستواجه اسرائيل من احتجاجات و مواقف فلسطينية ، قد تطول وتتطور ميدانياً وتتصدر القضية الفلسطينية شعبياً و سياسياً المشهد العربي و الإقليمي و الدولي ، ومثل هذه التطورات لا تُشغلْ اسرائيل و امريكا عن متابعة و محاصرة ايران و حلفاءها في المنطقة ، وانما ستساعد ايران و حلفاءها على ترسيخ رصيدهما الشعبي و الفلسطيني و العربي والإسلامي ، و تعزّز مواقفهما السياسية .
جهود هذه الدول العربية تجاه اسرائيل تتقاطع مع جهود أصدقاء اسرائيل ومحبيها ،من شخصيات سياسية وفكرية و دبلوماسية و رجال اعمال في امريكا و غيرها ، وترغب هذه الدول ان تظهِرْ بانها من ضمن هذا الركب المحسوب من المحبين و المخلصين لمصلحة اسرائيل ، و بقيادة نتنياهو ، الممُيز في علاقاته الوديّة مع الرئيس ترامب و صهره و عائلته .
رئيس وزراء اسرائيل ،نتنياهو ، من جانبهِ ،لا يريد أن تنتهي ولاية ترامب ،دون تحقيق هدفه الاستراتيجي توسيع جغرافية اسرائيل .يرى بانَّ نجاحه في ضم اراضي جديدة لاسرائيل سيحقق له شخصياً انجازاً تاريخياً ، و يدرك تماماً نتنياهو بأنَّ الرئيس ترامب لم يبقْ طويلاً في البيت الأبيض ، وعليه استغلال الفرصة قبل ضياعها .
لذا ، كتبنا ،في بداية المقال ، بأنَّ مفردة التطبيع ،لم تعدْ مناسبة لوصف العلاقة الخليجية الاسرائيلية ،و كلمة " التعاون " اكثر مناسبة لوصف العلاقة .
*سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل
في ٢٠٢٠/٧/١.
https://telegram.me/buratha