الشيخ خير الدين الهادي||
لا يخفى أن العمل الثقافي مسؤولية مشتركة, وعمل تكاملي بين سائر الجهات والافراد, وكل يسعى بحسبه ورؤيته إلى غاية عبر وسيلة التثقيف والتعبئة, ومن المهم جداً أن يلتفت الانسان إلى مصادر ثقافته ومَعينها, وقد أكدت الشريعة السمحاء بآيات كريمة وروايات شريفة على ضرورة الاهتمام بذلك, إذ قال تعالى((فلينظر الانسان إلى طعامه)), وفسرت أكثر الروايات الطعام بالعلم ومصادر الثقافة, فكما أن الطعام مصدر الطاقة الكامنة واللازمة لمختلف الانشطة التي نقوم بها, كذلك فان كل من يصدر من الانسان إنما يكون نتاج ثقافته ومعرفته.
ولما كانت مصادر الثقافة متنوعة ومختلفة, فمنها المسموعة ومنها المرئية ومنها غير ذلك أيضاً, وقد تنقسم إلى مصادر للثقافة الموجهة بشكل مباشر, وهذه على الرغم من قوتها إلا إنها تكون مفضوحة ومكشوفة, فتقل أثرها ويمكن الحذر منها, بل والتغلب عليها بالاستعداد للمواجهة معها, ومن أفضل طرق الوقاية منها التوعية الفردية والمجتمعية للوقوف بوجهها والردِّ عليها, أما الثقافة التي قد تكون أكثر أثراً وفتكاً فهي التي تدخل إلينا عن طريق اللاوعي, ومسألة الثقافة المكتسبة بهذه الطريقة ينبغي الحذر منها, فكما أن التغذية الراجعة من خلال فضائل الاعمال تعمل على بناء الذات سيما في الوسط المؤثر كالأفعال التي نتعلمها في بيوتنا من دون قصدية التوجيه؛ بل بأثر اللاوعي كتعلم الصلاة والصوم والصدقة ممن هم أكبر منا في وسطنا الايماني, كذلك فبعض الافعال التي قد تكون مقصودة وتصل إلى غاياتها من دون أن نشعر بها, فمثلا شاشات العرض السيء عبر التلفاز والمواقع المتنوعة من وسائل التواصل الاجتماعي أو الصحف الموبوءة التي تحاول مرة أن تسخر بالمقدسات واخرى بالرموز لأنها عاجزة عن محاربة العلن فتلجأ إلى وسائل السخرية والتهكم لأنها من خلال اللاوعي قد تعمل على توجيه النفوس وميلها.
ومن الجدير بالذكر أن قوى الشرِّ تعمل بصمت وتتقصد الاساءة إلى الثوابت لتعمل على زعزعة الثقة أو التشكيك بها أو محاولة ذلك, وفي المقابل تنتشر عشرات؛ بل مئات المنظمات التي تتزين بعناوين براقة تنادي بحقوق الانسان مرة وبالحرية والمساواة مرة اخرى, وتستغل الطاقات الشبابية بالانضمام إليها ثم تعمل على ممارسة التثقيف المقصود بالتوعية المستمرة والموجه بشكل ظاهر أو عن طريق اللاوعي حتى أيقن أكثر المنضمين إليها أن هناك صورة ناصعة للحرية والمساواة عند الغرب, فغدا الكثير من أبنائنا يقلدهم وينادي بصوتهم, بل أصبح البعض منهم بوقاً لإعلامهم المضلِّ خاصة في ظل هذه القدرات الضعيفة والخجولة التي تظهرها المؤسسات الرقابية الحكومية والتي قد تكون هي الاخرى قد تم غزوها في عقر دارها.
إن المسؤولية الشرعية والوطنية تفرض علينا دوام المراقبة ومصاحبة الابناء ومعرفة توجهاتهم ومصادر معلوماتهم وثقافتهم والتقرُّب منهم ومحاولة توجيههم بما يخدم الواقع الاسلامي الصحيح ومصلحة الوطن, وينبغي أن نثقف أبناءنا لتكون لهم القدرة على التمييز بين الاعداء وبين الاصدقاء, وبين محور المقاومة ومحور الشر القابع على مقدرات الدول المغلوبة على أمرها, وتحاول النيل من سيادتها, واستغلال أبناءها وثرواتها.
أما عن طبيعة التصدي لهذه المسؤولية فهي ليست متعسرة كما يظن البعض فيتهرب منه ويترك حبلها على غاربها, فتكون النتائج وخيمة ومشينة, وتخرج بنتائج كارثية على مستوى الضياع والتميع, والتجاهر بالفسق والفجور, وضياع الحقوق والتعدي على حدود الله ورسوله صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام, والمقدسات والرموز؛ ولتسمع بعضهم ينهق بصوته ويعترض على المدافعين عن الرموز بحجة تركهم محابة الفاسدين أو السراق للمال العام, ليجعل من ذلك قياساً باطلاً ومضلاً, نعم إن من الضروري محاربة الفاسد بغض النظر عن جنسه وهويته ومعتقده وقوميته, ولكن من السخرية أن نقارن بين ذلك وبين ترك الدفاع عن المقدسات والرموز, ولهذا فالحذر الحذر من التغذية الثقافية ومصادرها, وعلى الجميع أن يدرك خطورة الوضع والظرف, ويكون العمل بشكل تكاملي وعلى المستوى المؤسساتي والمجتمعي والفردي من أجل بلوغ غاية الاصلاح, ودرء الفتن, ومحاربة الشر والانتصار عليه.
https://telegram.me/buratha