الشيخ خيرالدين الهادي ||
أحكام الشرائع السماوية تتميز عن الاحكام الوضعية باعتبارها صادرة عن الله تعالى, فلا ينتابها الشك والتقصير, وتناسب مختلف الظروف والاوضاع, ففي كل مسألة هناك رؤية شرعية وحكم بسطه الله تعالى لمصلحة العباد والبلاد , وقد كشفت التقارير العلمية والنفسية بالتجربة أن أحكام الله تعالى إنما جاءت منسجمة لحاجة الفرد والمجتمع, وبغض النظر عن الامتداد في العصور والازمان فإنها عالجت وتعالج ما يعترض الانسان من محنٍ وشدائد, وتسهم في الوصول إلى غايات سليمة وامينة, ولا تغادر التوصيات الشرعية المستندة إلى الآيات الكريمة والروايات الشريفة.
ومع كل ما سبق فقد فشل الكثير من الناس في تجربتهم مع أحكام الله تعالى في زمن الفتنة وانتشار الوباء؛ بل بلغ الحال بالبعض أن يعمد إلى تغير سُننٍ وآدابٍ قد وجبت, ليس لأنه مضطر لذلك وانما تسويفاً وتمادياً أو تهاونا مع القيم والثوابت, وهذه من الموبقات التي ينبغي على الناس الالتفات إليها فضلا عن المؤمنين الذين كانوا موضع خطاب الله تعالى في مواضع التكليف والتشريع.
ومن المناسب أن استشهد بحالة أثارة استغرابي وأذهلتني, حيث رنَّ هاتفني وإذا بأحد المتصلين وقد بدا عليه الرهبة والحيرة, وكان كثير التردد من السؤال فلما اطمئنَّ صارحني بأمر عظيم, إذ قال: ماتت امي قبل فترة واتفقنا مع بعض الاخوة في المشفى على تسجيل اصابتها في الاوراق الرسمية بفايروس الكورونا, وقد قصدنا بذلك التخلص من المعزيين باعتبارنا في منطقة شعبية, ثم ذكر أنه في تلك الايام كانوا يدفنون من يموت بالفايروس برعاية خاصة دون مشاركة أهل الفقيد, وعند التثبت من الامر تبيَّن أنه لم يكن هناك من تغسل النساء فاضطر الدفان إلى تعويض الغسل بالتيمم, ثم دفنت (الوالدة), وحينها أيام أدركنا أنه قد ارتكبنا الخطأ, وبعد مشاورات بين الاخوة اتفقوا على السؤال عن الاحكام؟ فكانت الاجابة مثيرة, باعتبار أن هناك ثوابت في الاسلام ومنها عند الموت حيث يجب الغسل والتحنيط والتكفين والصلاة على الميت, وغير ذلك, والظاهر أن السائل كان يحاول بسؤاله أن يحصل على اجابة تساعده في تمرير هذا الخطأ, فتفاجئ بأنه ينبغي عليكم أن تبادروا إلى فتح القبر ونبشها, ثم اعادة غسلها وتحنيطها وتكفينها والصلاة عليها ثم تجهيز دفنها, علماً أن هذا الامر يدار بعناية ورعاية خاصة من قبل ثلة مؤمنة من ابناء الحشد الشعبي في مقبرة وادي السلام, إلا إن الامر كان مع موتى النساء مختلف, إلى أن تبرعت بعض المجاهدات إلى تبني ذلك, أما ما سبق فقد كان التيمم بدل الغسل,
الامر الذي ينبغي أن نلتفت إليه أن أحكام الاسلام رحمة مهداة من الله تعالى, وعلينا جميعا أن نبادر إلى الالتزام بها وعدم التهرب منها, أو التثاقل عن أدائها, فحينما تكون الوقاية واجبة رعاية لحفظ النفوس وعدم انتشار الفايروس, فهذا لا يعفينا من احترام الواجبات أو التخلي عنها لأسباب مخجلة وغير منطقية؛ لأنه في المقابل نتحمل اثماً كبيراً , فما ذنب المرأة رحمها الله تعالى ليكشف قبرها وينبش مرة اخرى, ثم أين هي دور الاجهزة الرقابية والحكومية لمنع هكذا تجاوزات في تسجيل المرضى والموتى في سجلات المصابين بالفايروس لأسباب عبثية مالية أو تهرباً من اقامة العزاء واستقبال المعزيين, وإن كانت هذه الاخيرة غير واجبة, فلست مرغما على اقامة العزاء واستقبال المعزين ولكن ينبغي عليك الالتزام بأحكام الاموات, وينبغي على الاجهزة الرقابية متابعة الامور بدقة ومحاسبة من يتسبب بتزوير السجلات, واطلاق احكام خاصة على المتجاوزين, علماً أنَّ الجميع بعين الله تعالى وهو أحكم الحاكمين.
https://telegram.me/buratha