الشيخ خيرالدين الهادي ||
تتسارع الاحداث وتكشف المواقف معادن الناس, ولنا في كل تجربة حياةٌ لأولي الالباب, ففي هذه المحطة المهمة من مراحل الانتقال بين العوالم التي تتحكم بمستقبل لا مفر منه, فالكل واردها وإن طال يومه, وكل ما يصدر من الانسان محفوظ في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها, وأهم ما يمكن أن يثير الاستغراب هي الازدواجية في الفكر والخطاب والمواقف, فقد كشفت الأيام بأحداثها الثائرة والأليمة سياسات مفضوحة وعلى مستويات كبيرة تجاوزت حدود العفوية وتميزت بالقصدية في التوغل في درن الانحطاط والاستمرار بالانزلاق في تيهه الضلال.
أن الناقد اللامع يستغرب حينما يطلع على المواقف التي تتزين اليوم تحت عنوان البحث عن الحقيقة سيما في ظل التطورات الاخيرة من الاحداث الاليمة التي انتهكت فيها الاعراف والقيم باستهداف الشخصيات الوطنية والرموز الاعتبارية, فقد كشفت سلسلة الاغتيالات عن الازدواجية المقيتة في التعامل مع الحدث, باعتبار أن الموضوع واحد, والذي يقوم بارتكابها مرشح أن يكون واحداً أيضاً, وإن تباينت الاعتبارات الاخرى, وعلينا أن تقف موقف البصير الذي ينظر بقلبه قبل عينه ويترجم الاحداث على وفق المعطيات, وأن لا نعيش السذاجة المركبة التي يمكن تعريفها بأنها تجاهل الحقيقة المعلومة الواضحة لأنها تخالف رؤيتي.
أن الطرف الثالث الذي فضح نفسه جهاراً ونهاراً على لسان سيدها ترامب وارتكبت جريمة العصر بكل وقاحة ودونما ستار, ولم يعترض عليها المعترضون؛ بل قابلوا حماقاته بتقبيل كفه وكأن المثل العراقي يكشف عن نفسه بوضوح(اليد التي لا نستطيع قطعها نقبلها), ولتتجلى سياسة الخبث والضغينة وتكشف عن نفسها وأهلها, ولتعترف أنها كانت ولا زالت ألعوبة بيدي أئمة الكفر والضلال وهي تقودها في تأجيج الوضع وخلط الاوراق.
ومما لا شك فيه أن هذه الجرائم المتوالية والتي ترتكب وتسند إلى المجهول زادت من احتمالات التيه والبهتان, واعطت فرصة لاتهام القوى الوطنية من الجيش والشرطة وأبناء الحشد المقدس الذين كانوا ولا يزالون عنوان النصر والتحرير, وساهموا في تحقيق الامن والامان للعراق والعراقيين, ومن المؤسف أن تراكم الثقافة السلبية التي كسبها البعض من اللاوعي قادهم إلى التفكير الخاطئ, وذلك بتبرير حماقات قوى الشر في جريمتها الشنيعة, على الرغم من إنها اعترفت بفعلتها الدنيئة في اغتيال قادة النصر, والصاق التهمة بشركاء الوطن في غيرها من المحاولات والاغتيالات التي لم يرغب الطرف الثالث في كشفها, أو كشفتها على لسان حلفائها, كالتي حدثت في المحاولة الاخيرة في اغتيال الهاشمي, حيث تبنى داعش العملية وهي الحليفة الاستراتيجية والمهمة لأمريكا, إلا أن الكثير من القنوات والشخصيات والمواقع العميلة تحاول ان تدفع بأصابع الاتهام إلى غيرها.
ومن الجدير بالذكر أن هذه القنوات والشخصيات والمواقع المدفوعة الثمن والتي سخَّرت امكانياتها للغرب على حساب وطنها وأبنائها, لم نسمع منهم استنكاراً أو وقفة احتجاجية على أحداث اخرى وقعت من عمليات الاغتيال والتصفية, وهذه الازدواجية المقيتة كشفت عن عمالة الكثير ممن يدَّعي الوطن والوطنية, وبينت بوضوح لا يقبل الشك أن المخابرات العالمية التي تعمل على تمزيق وحدة الشعوب الآمنة والمستقرة إنما تعتمد في تنفيذ الكثير من حماقاتها على أبناء الشعوب من الذين باعوا آخرتهم بدنيا الغرب.
إن من المؤسف على الجميع سيما من بيده القرار الحكومي والتنفيذي أن يعترف المجرم بجرمه ولم يُقابل بموقف, فهذه امريكا تعترف باغتيالها لمهندس النصر لكن لم نجد ممن بيدهم القرار حتى مجرد التفكير في اقامة دعوى قضائية دولية عليها, أو المطالبة بدمه الشريف, بل نجد في المقابل أن البعض يحاول أن يصطاد بالماء العكر كما صرَّح البعض من أهل النهيق بأن المرجعية لماذا استنكرت عملية اغتيال قادة النصر وسكتت عن غيرها, وكأن هؤلاء يحاولون أن يتهموا المرجعية أو يوجهونها بحسب نزواتهم, والمعلوم أن المرجعية الدينية الشريفة في النجف الاشرف أثبتت أبوتها لجميع العراقيين بمختلف انتماءاتهم, ولم نعهدها إلا راعية لمصلحة العباد والبلاد, وعلى هذا فينبغي أن نحدد مواقفنا, ونتبيَّن من هؤلاء الذين أثبتوا عمالتهم للأجنبي على حساب وطنهم, وأن نبادر إلى مراجعة المواقف المركزية والرسمية التي نعوِّل على كياستها كي لا تكون هي الاخرى مصدر قلقٍ لحُمات الوطن وأبنائها باتباع أوامر ونواهي من الطرف الثالث.
https://telegram.me/buratha