محمود الهاشمي ||
لا احد يشك ولو للحظة واحدة، ان تنظيم داعش صنيعة “امريكية”، لا لان الامر متعلق بالعراق فقط، ولكن بالثقافة الامريكية في "صناعة الموت".
الامريكان لم يحتلوا العراق عام 2003 لمجرد نزوة "قائد" او لمجرد مخطط عابر انما القرار في الولايات المتحدة تصنعه مراكز الدراسات والاستشارات التي في اغلبها تابعة الى الشركات الكبرى.
فالولايات المتحدة قبل الشروع باي قرار تاخذ بنظر الاعتبار مبدأ "الربح والخسارة" وقبل ان تشرع بالحرب لابد ان تطمئن على ان الشركات بتنوعها، وخاصة شركات بيع الاسلحة قد وفرت المبالغ الكافية لنففقات الحرب وصولاً الى "اطعام الجيش" والى مبالغ "نقل جثث القتلى ودفنهم" وهذه الشركات يجب ان تتوفر لها قناعة تامة ان مبالغها يجب ان تعود اليها اولاً وكذلك "الارباح" وهذا المخطط يرسم على الورق ثم يتحول الى "التنفيذ" وفق
استراتيجيات عسكرية ودعم لوجستي وسياسة عامة واعلام وغيرها من الشؤون، التي يصعب احصاءها باختصار ان الولايات المتحدة عبارة عن مشروع اقتصادي، دون التفكير بالضحايا او الدمار او البعد الانساني، لو اقتضى الامر ان يختصروا سكان بلدهم وليس فقط سكان العالم، من اجل ضمان مشروعهم الاقتصادي لما تاخروا عن ذلك ولو لدقيقة واحدة، لذا استفادت الولايات المتحدة من روح التطرف لدى الفكر الوهابي وحولت سكان المملكة العربية السعودية الى "مشروع انتحار" وان المرء يرتدي حزاماً ناسفاً بمحض ارادته ليفجره على جيش الاتحاد السوفيتي في افغانستان بدعوى "محاربة الكفر"!!، واذا كانت حصة العراق لوحده (5000) من الانتحاريين وفقاً لإحصاءات وزير الداخلية السعودية فكم هي حصتهم في افغانستان؟. و حين نجحت التجربة "صناعة الموت" في السعودية، تحولت الى مشروع دولي والى اسماء وعناوين و قيادات وادارة صعبة معقدة في بعدها "الثقافي" و "التسويقي"!!.
استطاعت الولايات المتحدة ان تسجل نجاحا في طرد السوفيت من افغانستان، وحين ارتد عليها جزء من مشروعها بحادثة ايلول 2001 و تدمير برجي التجارة في نيويورك وجدت ان السيطرة على مختبر "صناعة الموت" بات صعبا، حيث عادت قيادات القاعدة ورجالاتها وتوزعوا على بلدان عديدة ولابد من كيفية لاحتوائهم فقد باتت لديهم خبرة وتجربة ويمكن ان يكونوا مصدر قلق لسياستهم العالمية، لذا فكروا ان ارض العراق افضل مكان لطمر هؤلاء العائدين من افغانستان بعد ان يكونوا قد اعدوا قوائم دقيقة عنهم وعن اماكن تواجدهم ان في العراق ليدهم قواعد واعداد ليست بالقليلة بعد ان انخرط عدد ليس بالقليل من العراقيين في التنظيمات المتطرفة وتمويل خليجي في وقت كان فيه العراقيونيعيش حالة الحصار وقسوة الحياة.
مع دخول قوات الاحتلال الى العراق كانت افواج المتطرفين تدخل الاراضي العراقية عبر الحدود السورية بشكل ملفت لاهالي المحافظات الغربية والذين سرعان ماكنت تنتظرهم "الحواضن".
استطاع الاعلام الامريكي الممنهج "استفزاز" اكبر عدد من "المتطرفين" في انحاء العالم بدعوى مقاتلة الاحتلال الاجنبي في العراق اولاً، وان امريكا جاءت لتسليم السلطة الى "طائفة الشيعة" التي هي موضع تكفير بالنسبة لهم ثانية، وراح الاعلام الامريكي يعرض صوراً ومشاهداً للجندي الامريكي وهو يعتدي على الناس ويقتل ويضرب ويتجاوز حتى اطمأن على وصول العدد الاكبر وكانت المنازلة معهم لقتل اغلبهم واعتقال اخرين، فيما خضعت سجون ابي غريب وبوكا وكروكر الى اهتمام كبير من قبل خبراء محترفين في شؤون علم النفس والتنظيمات المتطرفة والسياسة والامن وغيرها وخرجت اجيالاً متطرفة بهوية "طائفية" اشعلت فيها الحرب الاهلية بالعراق كما خلقت شخصيات سياسية جديدة كان لها دور في العملية السياسية الجارية في البلد!!.
الضربات القوية التي تلقتها القوات الاجنبية في العراق "التحالف الدولي" فاق المتوقع حيث فقدت امريكا حوالي "7"الاف قتيلاً و70 الف جريح ومعوق جعلها تخرج من العراق مذلة مهانة عام 2011 وفق اتفاقية بين البلدين.
عملت الولايات المتحدة للفترة في عام 2011 وحتى عام 2014 على انتاج "داعش" في مختبراتها بعد ان وفرت لهم مخططاً كاملاً سواء على مستوى الداخل العراقي من اعلام ومن شخصيات سياسية ومنصات فتنة وحكومات محلية وعلى المستوى الخارجي تاهيل وتجميع في تركيا وتدريب وتسليح وتنظيم وخلق فوضى في سوريا وسيطرة الارهاب على مساحات معينة تسمح بمرور قوافل الارهاب باتجاه المحافظات الغربية من العراق فاستولى الدواعش على تلك المحافظات لاسباب يطول ذكرها حيث احتلوا الموصل بـ"400" داعشي فيما كان يتواجد بها 100 الف من القوات الامنية.
تعتبر الولايات المتحدة انها ثأرت لنفسها واستطاعت ان تجبر وزير الخارجية العراقي انذاك بتقديم طلب الى مجلس الامن بعد ان وصلت قوات الدواعش الى اطراف مخمور، والخشية ان يدخلوا "الاقليم" بعدها حضر رئيس الوزراء حيدر العبادي ووزير الخارجية الجعفري الى بروكسل والاجتماع بحلف الناتو لطلب الدعم وجميع ذلك جرى دون علم الشارع العراقي!!.
لاشك ان الولايات المتحدة لم تستجب الى طلب "هوشيار زيباري" الا بعد شهرين من تقديم الطلب والى ان اطمأنت ان داعش قد استقر فانطلقت ونفذت عملية لانعرف عنها شيئاً، واين وكيف ومدى تاثيرها.
كان خطر داعش على العراق كبيراً حيث وصلت اصوات الارهابيين منطلقة من خاصرة "بغداد" جرف الصخر "قادمون يابغداد" حينها ادرك الجميع ان الامة في خطر حقيقي خاصة عندما قدم "ماكغورك" ممثل الرئيس الامريكي من اربيل الى بغداد وباشر بنقل موظفي السفارة الاميركية الى الخارج.
بعد الف يوم من الاحتلال الداعشي للموصل احتجنا الف يوم لتحريرها وحضرت ثلاثة ثوابت الاولى القيم الاجتماعية حيث العراقيون يرفضون الذل والهوان والثانية القيم الوطنية بعد ان اغتصب الاعداء ارضهم والثالثة القيم الدينية الذي تجلت في فتوى المرجعية فكانت المنازلة الكبرى التي التحمت فيها جميع القوات الامنية وكان الانتصار.
ملحمة الالف يوم انتهت وتركت خلفها ارثاً كبيراً من الهدم والنزوح واليتم والارامل والعقد النفسية والتاثير العقائدي للتطرف ورغم ،مضي ثلاث سنوات على تحرير هذه المدينة وما بذلنا لاجل ذلك من ارواح واموال وسطرنا من بطولات لكننا سرعان ما اغمضنا اعيننا عنها وبتنا كلما اردنا ان نتحدث عنها في فضائياتنا نستضيف ال النجيفي الذين كانوا سبباً في ضياعها او نستضيف اولئك المرابطين في اربيل من ميزان والقبان وبوق مرزوق!!.
اذا كانت هذه المحافظة ملكاً لال النجيفي فلماذا سكبنا الدماء من اجلها ودعونا الالاف من ابناء الجنوب والوسط لتحريرها!!؟.
لقد غاب النصر ولم يعد سوى بيانات في الذكرى يصدرها المسؤولون ثم يخفون رؤوسهم ولا نراهم في الذكرى بعد عام!!.
لقد اعدنا عليهم ذات المسؤولين باشكال وبزات اخرى وممن اسرهم يعيشون في الولايات المتحدة الامريكية وكأن من تعيش اسرته في نينوى حرام عليه ادارتها!!.
شغلونا عن بعضنا فالاقليم يومياً يعمق الخندق بيننا وبينه ومثلما احرق الدواعش المناطق الغربية احترق الجنوب والوسط ومازال دخانه يغطي السماء وبدلاً ان نهرع الى مدننا لنعمرها هرعنا نتشاتم عبر الاعلام والطائفية تفوح من افواهنا منذ الصباح وحتى الصباح.
ماعادت امريكا تحتاج الى تدمير اي دولة تختارها فالصبيان جاهزون لحرق دولهم، اما الحكومات التي تتعاقب علينا فلا يثق بها المجنون قبل العاقل انها قادرة على صناعة ملعقة شاي.
في الجزيرة الوثائقية او "نيشيونال جيغرافيك" عرضوا فلماً وثائقياً عن التجربة الفيتنامية وظهر قادة التحرير بعد تحرير دولتهم وهم يجلسون على صفائح الزيت القديمة في اجتماع مهم فقال احدهم: من اين نبدأ ؟
فاتفقوا على (الاعمار) لقد عُمّرت وشُيّدت فيتنام وامتلكت التقنية في مجالات كثيرة دون اي "جلبة"؟!!.
https://telegram.me/buratha