الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||
مرة اخرى الاوجاع والآلام والحسرات تجتمع وكأنها لا تريد أن تفارق العراق, معلنة أن لا جديد في سيناريو الثورات والمظاهرات التي تُقاد من خارج البلاد, فجميع التجارب السابقة التي سجلها التاريخ لصالح الفقراء والشعوب الثائرة والتي تمت مصادرتها لصالح الحكام والمتملقين نجدها اليوم من جديد وبمعالم تقليدية لا ترتقي أن تكون أنموذجا للطموح المشروع الذي يسعى إليه الملهوف من أبناء الوطن وقد قدم من أجله الغالي والنفيس.
مرة اخرى تركنا خلفنا سجلاً حافلاً بالضحايا والمتضررين بين قتيل وقد ضاع حقه, أو جريح ينتظر من يطرق بابه ليسد عنه أجور العلاج والدواء, أو فقير اغتم لطول انتظار دونما يحقق أدنى مراتب الطموح, وبين هذا وذاك بقيت الخيم التي لطالما تغنى أهلها بدعوة الاصلاح تتزين أطرافها بقائمة طويلة بالمطالب المشروعة والتي ذهبت أدراج الرياح.
مرة اخرى زحف المتملقون وعشاق السلطة والغنيمة ليتركوا خلفهم آلاف المفجوعين من المنتفضين من أجل التغير, بينما تسلقت الابواق حتى بلغت مرادها من دون أن تلتفت إلى الوجوه التي غيرتها أشعة الشمس, ثم قفلت راجعة إلى النقطة التي بدأت منها وليس لها القدرة على النهوض بعد أن اكتشفت أن المظاهرات سرقت وانتهى فترة العرض بالنسبة إلى استيفن وابو التكتك وحجية فلانة والشيخ فلان, وفجأة أيضاً تبيَّن أن الغنائم قسمت والمناصب دُوِّرت والسفارات أغلقت أبوابها والجيوش الالكترونية سكتت والذي كان يقود من أجل التغير أصبح اليوم بوقاً لإسكات أهل المطالب وتكميم أفواههم, وقتل روح الحماسة التي كانت تدير الساحات من أجل تحقيق أهداف الساسة من أعداء العراق والذين سخَّروا الكثير من العدد والعدة لمصادرة الصيحات التي كانت تنادي بالإصلاح فاستغلتها بغية اسقاط الحكومة التي لم تنصاع لرغبة أمريكا.
مرة اخرى أكدت الاحداث أن الشياطين يدفعون بالغافلين من أجل تدمير بلدهم وأوطانهم من دون أن يشعروا, فبعد أن اضطرت الحكومة المقاومة لرغبات أمريكا إلى الاستقالة تم العمل على إلغاء العقود التي كانت ملاذاً لأبناء الوطن وباباً من أجل الاعمار والاصلاح بعيداً عن هيمنة أمريكا وحلفائها الذين عمدوا إلى تدمير العراق وعموم البلدان بسياستهم القذرة واستغلال الشعارات والابواق المأجورة للتدمير من دون ان تخسر هي حتى اجور الهدم والكسر.
مرة اخرى عاد أبناء الوطن إلى التأمل ومحاولة لملمة جراحات اخوانهم المخدوعين بالوعود الشرقية والغربية والتي أشغلت الناس بالمصائب والويلات لتبتعد عن الساحات والمظاهرات بعد ان حققت أهدافها لصالح أمريكا والجوكرية وأبناء السفارات وكان الثمن مزيد من الدماء والأنفس, ومن المهم أن ندرك أن ما يُفتعل من النقص في التجهيزات الطبية أو اثارة الغزوات لصالح داعش لإشغال أبناء الوطن لم يكن إلا مقصوداً وبحرفية عالية بحيث انشغل الجميع بذلك؛ بل حتى خيم المتظاهرين في عموم المحافظات أصبحت خاوية وخالية من أصحابها وتنتظر رحمة من يرفعها لتعلن عن انتهاء صلاحيتها.
مرة اخرى نكفكف دموعنا على جراحنا وننظر بأعيننا إلى السفلة والمتملقين والابواق المأجورة وهي تتراقص على أشلائنا بعد أن لبست ثوباً جدياً فانتقلت من المعارضة إلى كونها جزء من المنظومة الحكومية التي ابدعت هي الاخرى في اختياراتها في عموم التغيرات التي شملت عموم المرافق العامة والخاصة ليس على نحو استثمار الكفاءات الوطنية؛ بل استغلال كل من كان متمرداً لصالح الوضع الجديد مع ازدياد الضغط على المواطن وابتلاءه حتى في أبسط حقوقه لتنتقل المطالب من المطالب الوطنية إلى المطالب الشخصية والفردية كاستلام الراتب وتأخيره ونقصه وغير ذلك من المسائل التي غيرت مسار المطالب والحقوق.
مرة اخرى نتأكد أنه فقط أبناء الوطن هم من يقفون مع الوطن وليست المرتزقة, فقد تخلى الجميع وهاهم اليوم أبناء المرجعية في ادارة العتبات وأبناء الحشد الشعبي يسارعون ويبادرون في بناء المشافي ومتابعة الجرحى وتسكين أوجاع المعوزين بعد ان تركهم الاشرار وجعلوا من أكتافهم سُلما للوصول إلى غاياتهم الدنيئة.
مرة اخرى لم تحقق المظاهرات إلا أهداف أعداء العراق, وهذه رسالة إلى الجميع مفادها أن قيادة المظاهرات إن لم تكن وطنية فليس لها أهداف إلا خدمة أعداء الوطن وأبناءه, والعمل على استغلال الطاقات والقدرات وجعلهم حطب الثورة فيحترقون ليتوهج نار الاعداء, وليتمكن المتسلقون من بلوغ غاياتهم بعيدا عن حقوق الوطن والمواطن, وتبقى في النهاية الخيمة التي غيرتها شمس النهار ووحشة الليل تلتفت يمينا وشمالا عسى من يأتي ليرفعها بعد أن فشلت هي الاخرى في اثبات حتى هويتها الوطنية.
https://telegram.me/buratha