المقالات

السياسة والدين  


الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||

 

        هناك بون كبير بين سياسة المتديين ودين السياسيين, وهذه الحقيقة ينبغي أن ننظر إليها من جوانبها الموضوعية؛ لأن التجربة أثبتت أن السياسي في الغالب يتقلب بحسب حاجة عصره ومستلزمات وصوله, ولا يستند إلى ثابت ينطلق منه لتحديد مساره ووجهته التي تكون في الغالب متعثرة بسبب التقلبات الكثيرة الناشئة في الاصل بفضل التراكمات الحاصلة من قناة اللاوعي الذي يدين به أكثر السياسيين سيما من كان وجوده في عالم السياسة بمحض الصدفة وقد اضطر إلى التأقلم مع مجتمعه الجديد ذي القوانين الخاصة التي تفيد بأن الغاية تبرر الوسيلة.

        وأما سياسة المتدين فهي ناشئة من ثقافة الاسلام الواقعي والصحيح, فالإسلام منظومة متكاملة تناسب كل زمان ومكان فقد ختم الله به الاديان, ووسع منهاجه بحسب حاجة الانسان وتطوره, ونظَّم كل ما يتعلق بالحركات والسكنات بقوانين ثابته تستند إلى القرآن والروايات الشريفة وأقوال المعصومين الذين جعلهم الله تعالى أمان أهل الارض فلولا الحجة لساخت الارض بأهلها وهذه القوانين الاسلامية تتكيف مع كل مستجد ولا تخالف المبادئ الثابتة؛ بل تجعلها وسطاً للانطلاق وسبيلاً للتجاوب مع كل حادث ولا تتقاطع مع التطور الذي قد يصله الانسان مهما طاش سهم العلم وتوسع مداركه, فالإسلام دينٌ حيٌّ ويحيى مع كل جديد.

        ومن خلال التجربة الماضية تبين أن المشكلة ليس في كونك متديناً؛ باعتبار الدين حالة عامة والكل يدين سواءً بالإسلام أم بغيره, ولكن المشكلة في كونك تحمل ثقافة التدين الاسلامي الصحيح والموجه والذي يتقاطع مع ارادات ورغبات كل الطواغيت والجبابرة وعلى مرِّ العصور المتوالية, فقد كان الحكام فيما سبق لا ينظرون إلى دينك؛ بل لا ينظرون حتى إلى مذهبك ولكن يهمهم أن يعرفوا ولائك لمن؟ وانتماءك إلى من؟, وهكذا صرح معاوية للمسلمين حينما وقف فيهم مخاطباً بقوله إني لا احاسبكم على الصلاة ولا على الزكاة...ولكن احاسبكم على طاعة وولايتي, فلم يكن هم الرجل طاعة الله؛ لذلك غير أكثر الثوابت الاسلامية حتى عمد إلى اقامة صلاة الجمعة في يوم الاربعاء ليختبر طاعة القوم وولائهم.

        نعم اليوم أيضاً وغداً كذلك لا يُسأل الناس عن دينهم ولا عن مذهبهم ولا يحاسبون طالما لا تمثل تهديداً لهم؛ ولكن لو كنت تدين بضرورة العمل على وفق القوانين الاسلامية الصحيحة والمنقولة عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وعن الامام المعصوم والقاضي بضرورة اتباع المرجعية فأنت تمثل خطورة على السياسي, لان فكرة المرجعية مرتبطة بعقيدة الانتظار وبالتالي بعقيدة الامامة والامامة بمعنى السياسة, وبذلك فان السياسة تكون جزءا لا تتجزأ من الاسلام ولا تنفك عنه, وهذا هو الخطر الحقيقي على السياسيين الذين يعملون على خلاف القاعدة الاسلامية.

        اذن من المهم أن نعي حجم الخطورة والمسؤولية, ونعرف أن دين السياسيين هو الابتعاد عن الواقع المرجعي بغض النظر عن خلفياتهم الدينية؛ فهم يتصورون أن وجود المرجع في حياة الناس بمعنى ابتعاد الناس عنهم فعمدوا إلى اضعاف دور المرجعية وابعادها عن حياة الناس, بحجة أننا لا نحتاج إليها, فنحن مسلمين ونحن شيعة أهل البيت فلماذا المرجعية؟ وهنا مكمن الخطر وتهديده, وعلى المتديين السياسيين أن يدركوا حجم التهديد الكبير الذي يستهدف عزل الناس عن المرجعية من خلال سياسة السياسيين ونهجهم المفضوح, وعلى الواعين أن يعملوا على ترسيخ ثقافة الانتظار وعلاقة الامة بقائدها المنتظر الذي يجمع السياسة والدين لقيادة الامة الاسلامية والعالمية بتأييد الله تعالى حتى يملؤها قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.          

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك