الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي ||
لغة الحنين إلى الماضي ليست جديدة أو بدعة من قبل الكثير؛ بل هي متداولة خاصة إذا شعر الانسان أن أمسه أفضل من يومه ويومه أفضل من غده, وهذا الشعور لا يتوقف عند معين, فهناك من يدع إلى ماضٍ لم يعشه ويتمناه بعد أن أنهكه اليوم الذي يعيشه ويتوقع مستقبلا غير مرضي أيضاً, فيحاول الوقوف على الاطلال ويستذكر الايام الخوالي وإن كانت هي الاخرى مريرة وشديدة.
نعم إنها الحقيقة التي تجلت اليوم في أبهى صورها, فالكثير بات يتأوه على أيام الحقبة الماضية حيث كان هدام متسلط على الرقاب وقد أهلك الحرث والنسل فبات الشعب منقسم على نفسه بين مسجون وشهيد وطريد وضعيف لا حول له ولا قوة, وبين متباهٍ يسير خلف القائد المقدام الذي قرَّب منه كل نعثلٍ يكيد لهذا الشعب لينتقم من كل ذي بصيرة ويقتل كل ثائر.
لقد ولَّى عصره بكل ما كان فيه من الظلامة والقساوة التي قد لا يتصورها أبناء هذا الجيل الذين لم يعيشوا تلك الحقبة المظلمة من تاريخ العراق والعراقيين, فنسمع منهم بين الحين والآخر أن الماضي كان أفضل من اليوم, وفي الجانب الآخر لا زالت الماكنة الاعلامية تعمل بكل جدٍّ ونشاط لصالح الماضي الاليم والقذر, ويحاول ان يحسِّن صورته بعد أن فشلت الطبقة السياسية في تحقيق طموح الجماهير وعاثت هي الاخرى في الارض فاسدة وضعيفة.
مرة اخرى اليوم علينا أن نعترف أننا نعيش في عصر اللادولة, فكل شيء مجيرٌ لصالح الفاسد الذي لم يعتبر بمن سبقه من الظالمين ولم يشكر نعمة الله عليه بالانتقام من الظالمين, والا فمن كان يتصور أننا نوفق لحضور لحظة سقوط الصنم وانكساره واذلاله, والانتصار لتلك الدماء التي سفكها والاطفال والنساء المفجوعين والمجزرين بأبشع أنواع التعذيب والتنكيل وتشهد لهم الزنزانات وأحواض التيزاب والمشانق والاعضاء المقطعة والمقابر الجماعية وغيرها ذلك كثير.
نعم مع كل ما سبق فهناك من يترحم عليه ويتمنى أيامه؛ ولكن حينما نقف عند هؤلاء فنجدهم إما لم يكونوا حينها ففاتهم معرفة المحنة وشدَّتها, أو هم من المنتفعين في تلك الايام والتغير أثَّر عليهم فذهبت امتيازاتهم التي حصلوا عليها بالوشاية وظلم الناس فضلا عن المؤمنين, فشعروا بأن الوضع الجديد ليس لصالحهم, ويتمنون أيامهم وخاصة حينما كانوا يتزينون بالزيتوني ويقفون على أفواه الطريق ليعترضوا على كل كبير وصغير, بل يعمدون إلى تلفيق التهم على الآخرين ثم يستشعرون الراحة على جراحهم بعد ان تُنكل بهم.
نعم أيها الصغير الذي كبرت وبلغت, فأنت لم تعش ساعة العسرة ولم تدرك خطورة الأمر ولم تجلس في بركة التيزاب أو تقاوم ضرب السياط؛ فلذلك تتصور أن تلك الأيام كانت اجمل خاصة حينما ترك الآباء وظيفتهم والاخوة مسؤوليتهم في اخبارك عن مسلسلات الوجع وساعات المحنة التي كانوا يعيشونها في أيام الماضي حيث البعث الكافر وأشباه الرجال.
إن من الثوابت عندنا أن المجالس الحسنية حافظت على جانب مهم من جوانب العقيدة الصحيحة وهو جانب الولاية والتبَّري, ففي كل عام نتزود من المجالس الكثير من المعلومات التي يكبر عليها الصغير ويشيب عليها الكبير؛ لتعمل على تعميق الوعي وتأصيله وسلامة انتقاله من جيل إلى آخر بصدق وامانة, كذلك اليوم جزء من حقوق الأبناء على آبائهم تعريفهم بتلك الأيام وما كان فيها من الاوجاع والآلام والمصائب, ليحملوها إلى أبناءهم؛ لأن العقيدة الصحيحة يستلزم التبري من أعداء الله تعالى وأعداء ورسوله صلى الله عليه وآله والمؤمنين, فمن يتأوَّه على الهدام ليس له أن يتوفق إلى التولَّي, وأما فشل السياسيين فهذا بلاء آخر ووصمة عار عليهم سيكتبها التاريخ بأقلام من النقد الموضوعي ليأخذ كل ذي حقٍّ حقه.
https://telegram.me/buratha