علي فضل الله ||
كثير من المراقبين للمشهد السياسي العراقي، كانوا يعتقدون ان زيارة الكاظمي للجمهورية الاسلامية الايرانية، ستكون بمثابة اسقاط فرض ليس أكثر، نتيجة العرف السياسي والاسقاط الذهني الذي ترسخ في فكر المهتمين بالعملية السياسية العراقية، وذلك بسبب الإرث المتراكم من الحكومات العراقية السابقة، فزيارة أيران لأي رئيس عراقي جديد، تكون واجبة حتى وإن كانت شكلية، لكن حكومة أيران ومرشدها الأعلى السيد الخامنئي، فاجئوا الجميع وحتى السيد الكاظمي والوفد الذي رافقه، نتيجة الصعقة السياسة التي أظهروها، عبر حفاوة الاستقبال وبأعلى المستويات.
دلالات ذلك الأستقبال من الحكومة الايرانية صاحبة السياسة البراغماتية المرنة، والتي تتعامل مع الاحداث وفق أستراتيجية الاحتواء والتأني ومن ثم المبادرة، من أجل تحقيق المصالح العليا لدولتهم، نابعة تلك السياسة من فهم الاسلام الحقيقي الذي يرتكز على تقديم مصالح الشعب، وفق ثوابت ومتغيرات وضعت بمنهجية ومهنية عالية الدبلوماسية، إن طريقة إستقبال الكاظمي، قطعت الطريق على كل المتصيدين بالماء العكر، فأيران أوصلت رسالة عبر مرشدها الاعلى وحكومتها بشقيها التنفيذي والتشريعي مفادها، أن الإيرانيون يتعاملون مع حكومة العراق، ولا تتعامل مع أشخاص أيا" كان إنتمائه وميوله وإتجاهاته السياسية، فالتقدير الإيراني لرمزية الوافد لا لشخصه، منطلقين من مبدأ أحترام السيادة، وتلك هي قمة النضوج السياسي.
بالمقابل على السيد الكاظمي وحكومته، أن تتعامل بعقلية رجال دولة، لا من منطلق دولة أشخاص، وأن يتحملوا أعباء هذه المرحلة، من خلال تقديم مصالح الدولة العراقية على كل الضغوطات الخارجية والمصالح الحزبية والفئوية، وفق مبدأ متوازن قائم على تحقيق المصالح المشتركة بين العراق والدول الأخرى عبر آلية(رابح_رابح)، وأن ندرك جيدا" حجم التحديات الدولية، حيث أصبح من الصعب في قاموس العلاقات الدولية، مواجهة تلك التحديات بصورة فردية، بل عبر تحالفات دولية، فحتى الولايات المتحدة الأمريكية رغم قوتها الإقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، لم تواجه أي تحدي أمني أو أقتصادي طوال العقود الثلاثة الماضية، إلا من خلال صنع تحالفات دولية، كن أجل ضغط الكلف وتحشيد الرأي العام لتحقيق أهدافها، دون الأهتمام بمشروعية أهدافها، وهذا ما حصل عندما أسقطت نظام صدام، من دون موافقة مجلس الامن اادولي والامم المتحدة.
هل هذا يعني أنني مع سياسة المحاور؟ بعيدا عن نظرتي لهذا المفهوم السياسي، أقول أن العراق بنظامه السياسي الهش ومنظومته الامنية والعسكرية الضعيفة، ليس من مصلحته الانخراط بسياسة التمحور، على الأقل في الوقت الحالي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، أن أيران لم تبالي بميول حكومة الكاظمي بأتجاه المحور الأمريكي، شريطة أن لا يكون العراق قطعة عسكرية بيد الأمريكان، كي لا تنتفي سيادة العراق على نفسه، ليصبح قطعة من الجسد الأمريكي، المطلوب من قبل الحكومة الأيرانية.
هنا نتوقف ونطرح تساؤل أخر لتحقيق الوسطية في الدبلوماسية العراقية، هل ستوافق أمريكا على هذه الوسطية المتوازنة؟ وهل ستسمح لحكومة الكاظمي العمل بهذه المنهجية؟ التي تبعد العراق عن حلبة الصراع الامريكي الأيراني، ذلك مرهون بمدى سيادة القرار السياسي العراقي، وتلك السيادة لا تتحقق ألا من خلال، تعاضد الطبقة السياسية وتفعيل الدور التشريعي والرقابي للبرلمان العراق، وحكومة تنفيذية تدرك جيدا وضع العراق المتأزم، جراء ما يعانيه من أزمات حقيقية، فجائحة كرونا وتداعيتها الصحية والأقتصادية، وأنخفاض أسعار النفط التي أثرت سلبا" على الوضع المعاشي للمواطن العراق، وتصاعد الهجمات (الارهابية المصطنع)، لذلك المرحلة القادمة ستكون كاشفة للنوايا الحكومية، من خلال المعطيات التي على أرض الواقع، ما أذا كانت تأتمر بأمر السفارة الأمريكية، أن تضع نصب أعينها مصلحة العراق والعراقيين.
https://telegram.me/buratha