رياض البغدادي ||
من يتغنى بالأمجاد العربية ويحاول أن يستذكر البطولات في ميادين القتال ، من شجاعةٍ وكرٍ وفر، ويستذكر الكرم والضيافة والجوار وغيرها من الصفات الحميدة ، يصطدم بالمزايدات القبلية على هذه الصفات وترجيحات كثرتها في قبيلةٍ دون غيرها ، مما يثير الحنق والغضب والصراعات بين القبائل ، خاصةٌ ايام إنعقاد المواسم الأدبية في أسواق العرب المعروفة كالمربد وعكاظ وغيرها ، ذلك لان مقياس هذه الأخلاق لدى العرب ، تعدادها ، وهو مقياس كيفي غير مقنن ، فالذي يعتبرغارات السرقة التي كان يقوم بها عروة بن الورد ( بطولة ) ، يعتبرها الآخر ( خيانه ) ، وبالتالي تسقط من قبيلة عروة شرف البطولات ، والذي يعتبر ذبح الحصان من قبل حاتم لإكرام ضيفه شرف ، يعتبرها الآخر عدم وفاء للحيوان الذي حمله في مواقف البطولة والشهامة ، فيسلب طي شرف كرمها ، ومن يعتبر تصدي الإعرابي لمن جاء يصطاد الجراد الذي صادف دخوله الى بيته هربا من مطاردة الصيادين ( جوارا ) يعتبرها الاخر ( خسه ونذاله ) حالت دون إشباع الأفواه الجائعة التي كانت ترمي الى إصطياد الجراد لسد جوعها وإسكات أنين بطون الأطفال الخاوية.
القومية العربية حافلة بسجل كبير من الأخلاق البذيئة والصراعات ، وأشعار الهجاء كفيلة بإظهار عيوب القبائل والشرور التي كانت تمارسها في تلك الحقب الزمنية ، التي سبقت ظهور الرسالة الإسلامية ، وبالرغم من ذلك كله نجد من يصر على أن القومية العربية أساس لايمكن الإستغناء عنه لتحقيق الحلم العربي ، في الدولة الموحدة ، وبعد قراءة سريعة للتأريخ نسأل :
هل حالت صلة القومية العربية دون وقوع النزاعات بين القبائل ؟ ... من يجيب بالإيجاب , تكذبه ( حرب البسوس ) ، التي استمرت قرابة المائة عام ، و ( داحس والغبراء ) التي دامت أربعين عام ، وغيرها من حروب ( البطولات العربية ) .
هل يمكننا القطع بأن الشعب الكويتي يشعر بأخوة ( وقومية عربية ) تجمعه بذلك البعثي الذي سرق بيته ، وعرض مقتنيات زوجته لفرجة البيع في أسواق البصرة والموصل ، مقابل التعاطف مع الكويت ، التي أبداه الشعب الباكستاني والفرنسي والتركي في هذه القضية المأساوية ، التي عاشتها الكويت أيام الغزو العراقي ( العربي ) للكويت ( العربي ) ؟
وهل نحن العراقيون نشعر بأخوة تجمعنا بأولئك العرب ، الذين يسارعون الى جمع التبرعات (الشعبية ) ، في المساجد والمراكز الدينية في الكويت والسعودية والإمارات وغيرها من البلدان ، لدعم وإسناد من يفجر الأطفال والنساء في كربلاء والنجف وبغداد .... مقابل التعاطف الذي يبديه الشعب الإيراني والالماني والكندي والياباني لقضيتنا مع الإرهاب ؟
كنت في عرفات يوم إعدام المجرم المقبور ( صدام ابن أبيه ) ، ورأيت بأم عيني التعاطف الذي أبداه الحجيج العرب مع المجرم المعدوم ، مقابل التهاني التي قابلنا بها الحجيج الإيرانيون والاتراك والماليزيون لتنفيذ حكم الإعدام بالطاغية المجرم .
نخلص من هذا ( أن القومية وصلة الدم التي تجمع الشعوب العربية ) لايمكن لها أن تكون سببا للوحدة والإنصهار في دولة واحدة .
هذا الحكم توصل اليه الألمان وعلموا أن ما يجمعهم من صلة الدم بالشعب النمساوي ، لايصلح أن يكون سببا للوحدة ، بل المصالح الإقتصادية هي وحدها الكفيلة بتقريب الشعبيين (الجرمانيين ) في كل من المانيا والنمسا ، وهي السبب الوحيد الذي يمكن ان يقضى على الأحقاد التأريخية بين الفرنسيين والإنكليز، وينهي مشاكل الحدود بين البلجيك والهولنديين، وهذه حقيقه وعتها الحكومات العربية في الخليج الفارسي ، فسارت في طريق التكامل الإقتصادي ، وإنشاء سوق خليجية مشتركة على غرار السوق الأوربية ، نرجوا لها النجاح .
يجب أن نفكر بالطرق الكفيلة بالتقريب والوحدة بصورة واقعية لا بالخيال و ( أمجاد ياعرب أمجاد ) , حتى صلة الدين غير كافية هي الأخرى للوحدة واللقاء ، فالإعتصام بحبل الله لايمكن أن يكون إلا على أيدي أصحاب الرسالة أنفسهم ، لا على يد من جعلوا دينهم شيع وأحزاب ، فالدين الإسلامي الذي حمله معاوية وهارون الرشيد ، لايمكن أن يكون سببا للوحدة ، لأنه ليس دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله ، وان كان إسمه إسمه ، ولكن عدله ليس كظلمه ، ولا محبته كحقده ، ولا إيمانه ككفره .
فأين أمتكم العربية الواحدة ؟! وأي رسالة تلك التي هي ( خالدة ) ؟!
هل هي رسالة الإسلام التي حولها الأعراب الى أحقاد وصراعات وتفجيرات ودماء ؟
هل هي نفسها الرسالة التي أباحت لكم قصف مدينة حلبجة بالغازات الكيمياوية ؟!
هل هي نفسها الرسالة التي أباحت لكم بيع النساء العراقيات الأيزيديات في سوق النخاسة ؟!
ام إنها الرسالة (الخالدة ) التي الزمتكُم بتهجير قرابة النصف مليون عراقي بدعوى أنهم كرد فيلية ؟! أي رسالة هذه التي أباحت لكم دفن قرابة المئتي الف بريء عربي في مقابر جماعية بدعوى أنهم شيعة ؟! رسالة تساوي بين حسين النبوة ويزيد الجاهليه هي خالدة ؟!
اتركوها بالله عليكم إنها نتنة .... لقد وضعها النبي صلوات الله عليه وآله تحت قدميه الى يوم القيامة ، كما أخبرنا صلى الله عليه وآله في خطبة الوداع ، والـ نفكر بكل ما من شأنه أن يقوي علاقة الشعوب فيما بينها ، ولا أحسب أن يكون هنالك إنسان قادر على الإضرار بالمصالح الإقتصادية ، فيما لو ترسخت بين البلدان المختلفة اللغات والأصول والأجناس، فالسبب الذي يجعلني آمناً في سفري الى تركيا طلبا للرزق والتجارة ، أرسخ للوحدة والتقارب من السبب الذي يجعلني خائفا في سفري الى السعودية لزيارة بقيع آل محمد ( ص وآله ).
المصالح الإقتصادية والتجارة البينية ، هي الكفيلة بالتقارب والوحدة ونسيان الأحقاد ، وال تذهب أمتكم العربية الواحدة الى الجحيم ، فرسالتها ليست خالدة ، والبعث الذي زرع الأحقاد بين العراق وسورية والكويت ، لايصلح أن يكون قائدا لتحقيق الوحدة العربية .
https://telegram.me/buratha