محمد هاشم الحچامي
في الصراعات يستخدم كلٌ من المتخاصمين الأدوات المتاحة له جميعها لالحاق الهزيمة بالاخر ، ومنها الادوات غير الأخلاقية تبعا لطبيعة المقابل ، وإمكاناته وقدراته على استعمال نقاط الضعف لدى مناوئه ، هذا ما لا يختلف عليه اثنان من المتابعين للحروب والنزاعات حول العالم ، وواحدة من تلك المنازلات التي يلجأ إليها المتحاربين هي الحرب النفسية المدمرة ، و هي هزيمة العدو قبل بدأ المعركة ، وتحطيمه من الداخل بشتى الاساليب ، فتارة بالدعاية المضللة بضعف قدراته و أخرى بسلخه عن قيمه الروحية وثالثة بالتشكيك بقياداته التاريخية أو المرحلية ورابعة بطرح العشائرية و المناطقية وهكذا ، والأمر الاقسى تحويل الجمهور الذين هم الحاضنة التي تمده بالرجال والمواقف والدعم إلى اعداء له ؛ مقاتلين ضد قضيتهم يثبطون مجتمعهم ويقللون من عزيمته ، وهذا الانكسار ربما بقناعة وليس بعمالة أو أنهم تحولوا إلى طابور خامس .
وهنا المعضلة الكبرى ، فالأمة تكون مهزومة قبل أن تبدأ الحرب مستسلمة سلفا لعدوها بل تنشده الخلاص من ذاتها ومن أبناء جلدتها ، هذه المرحلة أسقطت امم وتدحرجت تحتها حضارات .
وحينما نلتفت إلى العراق الذي مر بأزمات ونكبات نجده يعيش اليوم تلك الحالة ، فغالب الناس تعيش فوضى في قراراتها ، حتى صار الغريب صديق والصديق عدو والقريب بعيد والقاعدة الشعبية متمردة على كل شيء .
هي حالة هزيمة ، تدب في جسد الأمة ، اذهبت العقل وسممت التفكير ، فصار جلد الذات ثقافة و تعداد العيوب فضيلة ، فهبطت لغة المتحاورين حتى غدت الألفاظ البذيئة مفردات قاموسية لا يستحي من استعمالها غالب المتجادلين لهذا اعادة الثقة بالنفس هي أولى الأولويات ، وهنا يأتي دور رجال الدين والمثقفين والكتّاب وأساتذة الجامعات وخطباء المنبر ومنظمات المجتمع المدني الواعية، وغيرهم من فئات المجتمع النافذة والمؤثرة ليعيدوا الأمة إلى رشدها واثقة بنفسها متخطية الضعف والاستسلام ، وهذا لا يتحقق إلا بالبحث عن أسباب ذلك الانكسار ، وهي أسباب كثيرة منها الحروب والشحن الطائفي والفساد والاراء المغلوطة التي يطرحها الناس ، وبقايا رواسب الطغيان واعتياد الناس الرأي الواحد ، وتقدم جهلاء المجتمع في الصدارة ، في القضايا الاجتماعية والدينية والسياسية والصراعات الدولية حول العراق وصراع المحاور في المنطقة وروح التمرد التي تختزلها الشخصية العراقية ، ولعل الديمقراطية هي ام العلل فالعراقي ما اعتاد حرية كهذه منذ فجر التاريخ وعلى أقل تقدير منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن العشرين .
إنها دعوة لنا جميعا فهل نحن فاعلون ، نحمي أنفسنا وأبنائنا من تخبط اجتماعي سيحرق الاخضر واليابس ، ويجعل العراق عصابات متناحرة يحطمون كل شيء من حولهم ثم يكونون صيدا سهلا بيد الخصوم .