محمود الهاشمي ||
انها المرة الاولى التي يتم فيها الاعلان عن (انتخابات مبكرة) بعد ان مرت ثلاث دورات سابقة ترنحت لمرات لكنها لم تهوِ الى الارض .
الاحزاب والكتل السياسية والشخصيات التي رافقت العملية السياسية منذ عام 2003 او ماتبعها ،لم تزل في الميدان ،ومازالت تراهن ان يكون لها نصيب في ديمومة العمل في بعده التشريعي او التنفيذي .
المشاركة بالانتخابات السابقة هي الاقل ،حيث اوشكت ان تعلن عن فشلها لولا ان ليس هنالك من نص دستوري يشير الى نسبة المشاركة مهما تدنت!
الاحتجاجات التي رافقت الدورة التشريعية الثالثة ،استمرت لتتحول الى احتجاجات واسعة في (تشرين )الماضي وان كانت محصورة في جغرافيا (الوسط والجنوب ) دون بقية مناطق العراق ،وهذه الاحتجاجات اوقفت التجربة السياسية في البلد على طرف اصابعها ،بعد أن رافقتها ممارسات ونشاطات ومطالب وشعارات ،واعتصامات بدأ من الهتاف باسقاط الحكومة وصولا الى عملية الصلب التي تمت للشاب (ميثم البطاط ) في ساحة الوثبة وسط العاصمة بغداد !!
هذه التظاهرات رغم كل انفعالاتها لم تنتج لنا سوى (أستقالة) حكومة عبد المهدي !!وسوى مجيء حكومة مصطفى الكاظمي !!
مثلما تفاجأ المشاركون بالتظاهرات بالنتائج ،واكتشفوا امورا كثيرة غابت عنهم ،وجد السياسيون فراغا كبيرا بعد هدوء التظاهرات لم يملأهُ احد ،حيث ان التظاهرات بكل سعتها وتداعياتها لم تنتج حلا اولا ولم تنتج قيادات سياسية تمثل هذه الجموع ثانياً, فكانت خيبة كبيرة !
لانريد ان نوغل في تفاصيل الكتل السياسية ومدى تحضيراتها ومدى مقبوليتها لدى الشارع ،فقد اشّرت الانتخابات الاخيرة ،والاحتجاجات هذه المعادلة بان الجميع لايصلح !
الشارع العراقي الان في ولهٍ وغير قادر على التفكير باي عنوان او رمز ،حيث وقع بين خيبتين (فشل الاحزاب السياسية الحاكمة وفشل الاحتجاجات) !!
الاحزاب السياسية غير منشغلة بالشعب تماما ،بقدر انشغالها بالصراع فيما بينها وكيف تستطيع ان تصرع خصومها ،وهذا يعتمد على معادلات مالية ضخمة وخبرتها في الصراع السياسي والتدخلات الخارجية !!
الولايات المتحدة الاميركية لاترغب البقاء بمنطقة الشرق الاوسط برمتها ،وتسعى ان تجد (صديقا) يضمن لها مصالحها او على الاقل يقف في وجه خصومها ،ويبدو ان السهم وقع على (تركيا) بعد ان غسلت يدها من (حلف الناتو) للقيام بهذه المهمة ولاسباب عديدة يطول شرحها.
استطاعت الولايات المتحدة خلال طول تجربتها بالعراق ،ان تعمق الخلافات بين مناطق العراق ،حيث لم يعد يهم ابناء الجنوب والوسط مايجري في الاقليم ولا بالمناطق الغربية ،وهما كذلك لم يعودا يهمهما مايحري بالوسط والجنوب ،واصبح لكل من هذه المناطق وسائل اعلام خاصة يتابعها دون الاخرى فتشكلت ثقافات خاصة وفقا لذلك ،
ناهيك عن (السوشيال ميديا ) الذي اصبحت مفاتيحه تدار بخبرة اجنبية عالية !!هذا (الفصل) يؤسس لمراحل سياسية وخرائط وغيرها ،ودخول القوات التركية للعراق ،وفي ليبيا وسوريا واذربيجان والبحر المتوسط يقع في هذا الميدان !! حيث سيكون لتركيا الدور الكبير في الانتخابات العراقية (المبكرة) !الجمهورية الاسلامية تمتلك مفاتيح كثيرة بالعراق ،وبعد اغتيال الحاجين سليماني والمهندس غيرت (قواعد الصراع) وضببت المشهد على امريكا ودول الخليج فيما عينها على تركيا وتدخلاتها!ومثلما قال السيد الخامنئي في كلمة عيد الاضحى (نريد عراقا مقتدرا) .قال احد متظاهري (تشرين ) نحن بلا قيادة ,وقال احد كبار السياسيين (نحن بلا قيادة ) اذن الجميع بلا قيادة وهو هدف اميركي (دولة اشباح)!!
ان تصريحات القيادات السياسية بكل عناوينهم ,بشأن موعد الانتخابات المبكرة ،لم ترافقه اي ثقة بانهم (على موعد مع النجاح ) فالجنوب والوسط (محتل) وابواب مكاتب الاحزاب الحاكمة مغلقة ،ومن يمثلهم بالحكومات المحلية وقعوا استقالاتهم ،وخيم التظاهر هي من تدير الامور ،وسط رضا حكومي .
احزاب المناطق الغربية ستتقاسمهم تركيا والسعودية وقطر, والاحزاب الكوردية تعيش الان اعلى مراحل خلافاتها ،وتوشك اربيل ان تنفصل عن السليمانية .
السيد رئيس الوزراء سيستثمر وجوده بالسلطة وبكافة صلاحياته لاجراء التغييرات المدنية والعسكرية في الحكومة ليخنق الاحزاب الناقمة عليه ويفرغها من عمقها وتأثيرها وكلما تقدمت الايام باتجاه الانتخابات المبكرة ستجد هذه الاحزاب نفسها تجلس على فراغ !!بعد ثلاثة اشهر من الان ،سيجد السيد عمار الحكيم ان (الكاظمي ) هو غير الكاظمي الذي راهن عليه ،وسيجد انه يغلق التلفون كلما طلبه !!.
حيدر العبادي فقد من الان بوصلة اتجاهه ،وبدأ مبكرا بمهاجمة الكاظمي ،اما التيار الصدري فيراهن على مخزونه الجماهيري لانصاره ،ولكن قيادته حتما تستشعر ان امريكا التي تجرأت على اغتيال (ابطال النصر ) غير مكترثة ان تقوم بالاخطر في ظل حكومة (ترامب) ولذا فهي تميل الى (الهدوء) شيأ ،وتراقب الاحداث عن بعد ،وترى ان خصومها يتربصون بها بدأ من الاميركان الذين يحملون التيار مقتل جنودهم ومن (السنة) الذين يحملون التيار مقتل ابنائهم ايام الحرب الاهلية ،ومن الشيعة الذين يرددون ان التيار وراء خراب (البيت الشيعي) ،ومن (متظاهري تشرين) الذين يعتقدون ان دخول التيار الى سوح التظاهر اضعف من قوتها وأمات عصبها ،فيما لايرى فيهم الاكراد (صديقاثابتا)ناهيك ان ايران لم تعد ترى في التيار (صديقا مضمونا)اما الخليجيون فلا يرون بالتيار وقياداته سوى (شيعة) ان قاموا وان قعدوا !!لكن في كل الاحوال فان امام التيار الصدري وقياداته فرصة افضل من سواهم في الدخول الى لعبة الانتخابات ،فهم الاكثر تنظيما ،وانصارهم مازالوا طوعا لاوامرهم , وبالامكان تشكيل الاحلاف من (الان) مع الكتل (الشيعية) القريبة منهم لضمان مستقبلهم السياسي.
امريكا ستدخل على الانتخابات عبر الاعلام اكثر من اي مدخل اخر ،فقد استطاعت ان تكسب صحفها ومجلاتها ووسائل اعلامها ثقة القاريء العراقي حتى بات كبار المسؤولين العراقيين والقادة السياسيين يتابعون ماينشر فيها بشغف وامعان دون ان يسألوا (كيف لهذه المقالات والاراء ان تصل اليهم مترجمة بمهارة عالية وبهذه السرعة )؟ ودون ان يرغبوا ان يتفهموا ان خلف كل سطر منها مشروع ومخطط ؟
لذا ستلعب على مالديها من ملفات وخاصة (ملفات الفساد ) وسنصدقها جميعا لانها في كل مرة ستهاجم جهة دون اخرى حتى تضعف جميع الاطراف ولكنها لاتميتهم!!
الكتل والاحزاب السياسية العراقية ستذهب بخطىً متثاقلة نحو (الانتخابات المبكرة) التي تمت الدعوة لها وستجد نفسها بين (كمّاشتين )الاولى الاستمرار في ابقاء الكاظمي في منصبه لحين اكمال الدورة التشريعية وهذا يعني (الذهاب الى المجهول) في ظل (الفوضى) التي يدير بها البلد , وخياراته البعيدة عنهم (جميعا) والثانية ان يذهبوا الى (الانتخابات المبكرة) وهم (دون جمهور) !
لايريد احد من الاحزاب السياسية ان يغير في معادلة (الاجيال) فالجميع مصر على ابقاء ذات العناوين , واذا فكروا بالاضافة (اختاروا الاضعف من القوم , حتى يكون طوع إمرتهم )وهذا الامر يتمدد على مساحة البلدان العربية فقد شاخت القيادات وشاخت الاحزاب وهم لايثقون بـ(أحد من الاجيال الجديدة)!
عراقيون كثيرون يعولون على (المقاومة ) في أنها (الدولة الموازية) والتي تميل الى (خيار الشعب) دون غيره , ويرون انها (الوحيدة) التي تمنع الدولة من الانهيار , ويتمنى كثيرون ان يتحول مشروع المقاومة الى مشروع سياسي متكامل يطهر العملية السياسية من الفساد والمفسدين مثلما طهرها من الارهاب والارهابيين ,لكن (المقاومة) تتعرض الى هجمة شرسة تقودها الولايات المتحدة واعوانها , وتحتاج الى من يتفهم مشروعها وتضحياتها .
https://telegram.me/buratha