يقول المفكر المغربي عبد الله العروي في كتاب العقل، كنت اتردد لملاعب كرة القدم لمشاهدة بعض المباريات الدولية للفريق المغربي مع بعض الفرق الاوربية، وكان نقد الجماهير في الملعب يتطاير بتشخيص وكأنه متفق عليه، ان اللاعب المغربي يلعب لنفسه بينما الاوربي لفريقه، وهنا يحلل المفكر عبد الله العروي، هذا التشخيص الصائب فيقول:( أن اللاعب المغربي حينما يمسك الكرة وكأنه يخضع لغريزته وحدها فتفقده التحكم بحركاته، بينما الاوربي يظهر وكأنه يقوم بتنفيذ خطة صارمة، فجسمه خاضع لعقله الفردي، وعقله الفردي خاضع لعقل أعلى أي لأوامر مسبقة أعدت خطة وزعت المهام فيها على كل الفريق. هذه المعادلة شبيهة بحالة الفرد العراقي، وتنطبق على أيضا" على عموم احزابنا السياسية، فكلها شبيهة ببعضها، إن حلم الإنسان أو المجموعة أو المجتمع قد يصبح الملهم للأبداع، بل القوة الدينامعنوية التي تولد دفعا" قويا" لتحقيق كثير من الأشياء، قد تكون مستحيلة بنظر الأخرين، والعكس صحيح في الغالب، فعندما يتضائل طموح البشر، تخفت الإرادة ويتضائل المنجز، هذا إن لم يتلاشى من أصله، وهذه المنهجية الخبيثة تعمد عليها الانظمة السياسية الأستبدادية والدكتاتورية والأستعمارية، وجميع هذه الأنظمة توالت على حكم العراق منذ ستينيات القرن الماضي ولحد ألان. وأكثر ما فكك البنية المجتمعية في العراق، هو الحصار الأقتصادي الأمريكي اللاإنساني، الذي فرض بداية عام 1991 بقرار أممي محركاته صهيو_أمريكية ، هو من أقبح القرارات التي عرفتها البشرية على مر التأريخ، عمل هذا الحصار على نخر المنظومة المجتمعية العراقية المتراصة، والتي كانت تقوم على الإيثار والتعاون وتسيد روح الجماعة على المجتمع العراقي، لكن ويلات التجويع الأمريكي والترويع الصدامي، أخذت مأخذها في صيرورة المجتمع العراقي، وبدأ العراق ينكمش بأتجاه الفردانية، وأنكفاء الفرد على نفسه وقد يكون تفكيره بعائلته أبعد ما يكون، وأعتقد هذا مراد المخطط الأمريكي، أنسحب عام 1991 بعد أن وصلت طلائع الجيش الأمريكي ألى مدينة الناصرية، أنسحابا" تكتيكيا" من أجل أعادة برمجة المجتمع العراقي، ومن ثم أختراقه وضمان عدم مقاومته عند دخول الأمريكان. وقد بدا واضحا"، نجاح المخطط الأمريكي، من خلال أحلام الشعب العراقي البسيطة، فعند سقوط صدام ونظامه الأستبدادي، ذلك النظام الذي زرع روح اليأس لدى عموم الشعب العراقي، لدرجة أن العراقيين فقدوا الأمل بزوال الطاغية، وهذا الشعور تحديدا أنتج أحلامهم بسيطة، ولدى عموم العراقيين، فلم تتجاوز تلك الأماني، أكثر من ممارسةالشعائر الدينية وتحسن الوضع المعاشي والكمالي، وما زاد الطين بلة، هو هندسة النظام السياسي المقيت، الذي جلبه الأمريكان والقائم على المحاصصة الطائفية والقومية، مبني على وجود أحزاب سياسية، غالبها أن لم أقل كلها، لا تمتلك مشروع دولة، بينما الذي الذي أعتقد الأمريكان أمتلاكه مشروع دولة، يتم تصفيته أو أضعافه، وكما حصل مع السيد محمد باقر الحكيم وعز الدين سليم(طاب ثراهما)، وهذا ماأنتج أحزابا" تبحث عن ترسيخ السلطة، والمنافسة من أجل البقاء ضمن الحلبة، للغنيمة بجزء من (الكعكة)، وضاع مشروع الدولة العراقية، فالفرد يعمل من أجل فردانيته، والحزب يعمل من أجل ترسيخ سلطته. أذن الذي نحتاجه ألان كشعب، هو أعادة لبرمجة الأحلام، وليكن طموحنا بقدر الخير الذي حبا الله به هذه البلاد، من ثروات طبيعية هائلة، وعمق حضاري يمتد لألاف السنين ضمن أعماق التأريخ، وكفاءات بشرية هائلة في مختلف الاختصاصات والتخصصات، وموقع جيو سياسي وجيو أقتصادي، يجعل العراق مرتكزا" لتغيرات في موازيين القوى الدولية والاقليمية في المستقبل القريب، والبرمجة الايجابية المرجوة تحدث من خلال تصحيح مسار العملية السياسية، من خلال اقرار قوانين سياسية مهمة، كقانون الأنتخابات شرط تضمينه الدوائر المتعددة، والانتخاب الفردي المباشر، وتعديل قانون الاحزاب بما ينهي مهزلة بعثرة الاحزاب وتناثرها بأسلوف فوضوي، والعمل على تقنينها، وأقرار قوانين الغاز والنفط وحق التظاهر والضمان الصحي والاجتماعي، وذلك لا يتحق ألا بجهد جماعي، من أبناء المجتمع العراقي، وهي مسؤولية النخب وشيوخ العشائر ورجال الدين وكل فرد، للضغط على الطبقة السياسية، وصناعة رأي عام موحد من أجل عراق يتسع للجميع، وليس لفرد أو حزب أو طائفة أو قومية، عراق تكون مصلحته فوق كل المصالح الفرعية.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha