المقالات

جدتي وابنها المغيب منذ اربعين عاما 


  محمد هاشم الحجامي||

جدتي تنتمي إلى جيلٍ ثيابُه الحزنُ وحلمُه الخبزُ ؛  يتساوى ليلها مع نهارها . يرسم الزمن على وجهها صور أحداثه التي نقشها بمعول من الاوجاع والهموم ، هي من زمن صبغ حياة العابرين فيه انينا وجراحا . ترافقا هي والأوجاع . حياتُها جبالٌ من الهموم . شبيهة أمها التي كل ما انجبت وليدا مات فكانت هي سهمها من الذرية سمتها عطشة وبقية عطشة من افراح الحياة بعيدة عنها البسمة ، غريبة عن مجتمعها ،   لها ابن وحيد هو والدي ، اكمل دراسته في كلية الزراعة جامعة بغداد بعد معاناة طويلة ، كانت تحدثني عنها وعن حياتهما التي تبداها صباحا بالهور لتعود بالحشيش قبل طلوع الشمس وبعدها تعد الفطور والطحن للغداء وهبش الشلب ( إزالة القشور عن الرز) لتهيئة الرز وسقي النخيل وهكذا دوامة مستمرة واما ابنها الوحيد ففطوره (فطيرة) تضع العجين على جمر المطال مع بيضة وز ويذهب للمدرسة مسافة سبعة كيلو مترات بلا مصروف يومي .... . الى أن التحق بكلية الزراعة فابنها الوحيد انجب ولدا تخرج وعين في اعدادية الزراعة في السماوة اعتقل عام 1979 . مازال يشغل دنياها . وغاية أمانيها أن تراه لساعة قبل رحيلها من هذا العالم . لم يسلموها جثته ، فبقيت متيقنة أنه سيعود يوما ما وتراه ؛ حتى سقوط صدام وما خفُت املها ، رغم هروب الطغاة ، وفتح السجون ، وذهاب الجلادين . نذرها ان تلبس كيس الطحين وتضع عظام الذبائح قلائدا إن عاد ابنها المغيب في سجون الظالمين . ما تزال تعتقد أنه حيٌّ سيعود يوما لتفي بنذرها ، مرت اربعون عاما ومازال حلمها لم يتحقق ما تزال تلك المرأة الصابرة التي قاربت التسعين تجمع الاموال لابنها وهي تخبئ راتبها التقاعدي لعله يعود يوما فيحقق احلامه بما تملك .  هل يتحمل سياط جلاديه ؟ اي عذاب تحمل واي قسوة مورست معه ؟ تساؤلاتها الدائمة .... لم يحدثها أحد عن التيزاب والمثرامة ولا قطع الرؤوس ولا فنون التعذيب التي ابتدعها نظام البعث فسجلت براءة اختراع بإسمه ..... هو أملها فانهى المستبدون ذلك الأمل .  خطت السنون على جبهتها الف حسرة وزرعت في نفسها الف غصة وكتبت لها اكواماً من الذكريات الموجعة . يا لهول اوجاعها التي تتراكم مع الزمن وتتبارى معها الذكريات . ربما يراه بعضهم جنونا لكنه حلم ، و لعله خير من الواقع الذي ليس لها فيه بنين ولا بنات . غريبة وشمسها آفلة .  انسُها صلاتُها تطيلُها حتى أظن أنها فارقت الحياة ساجدة ، سؤالها الاكثر ترددا هل حان الأذان ؟ كي تقف تناجي ربها . عيشي حالمة يا جدتي فالواقع مر يطفئ الامل ويحول الحياة الى جحيم لا تطاق . هي جدتي حقا وليس خيال

 

              

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك