سرى العبيدي||
الرأي العام يمكن اختصار تعريفه بمقدار التأثير الذي يعكسه مجموع المواطنين على القرار السياسي، وفي الإحالة التاريخية أنه بدأ من أثينا حيث يجتمع المواطنون الأحرار من الراشدين الذكور ، في الساحات العامة ليتخذوا من ثم قراراً بعزل حاكم أو تنصيبه أو الموافقة على خوض الحرب أو التصديق على المعاهدات والاتفاقات مع المدن الأخرى، أي كلّ ما من شأنه أن ينعكس أو يمسّ حياة الناس وأمنهم أوحريتهم وذلك عن طريق الاقتراع العام ، أما الشروط الواجب توفرها في الرأي العام كي يكون فاعلاً ومستجيباً لمتطلباته فهي التالية :
1: الحرية ، إشترطت أثينا على المشارك في قرار الرأي العام ( الذي يجد أوضح تجسيداته في الاقتراع العام) أن يكون مواطناً حرّاً ،أي ممتلكاً لقراره قادراً على اتخاذه من دون الخضوع لضغوط قد تحرفه عن مساره ، وبالتالي استثنى من المشاركة :العبيد والخدم والنساء وغير البالغين والأقنان والقاطنين في المدينة من غير سكانهاالأصليين ، وقد وجد ذلك الإستثناء صداه في الإسلام حيث اقتصرت الشورى على أهل الحل والعقد أي الخاصّة من أهل القرار وهم الذكور البالغين من كبار الصحابة أو أهل بدر أو وجوه قريش وشيوخ القبائل وماشابه ، كذلك استخدمته بعض دول أوروبا كفرنسا وبريطانيا في دساتيرها بداية عصر النهضة، قبل أن تجري عليه تعديلات تدريجية مع رسوخ الديمقراطية وإقامة دولة القانون الذي يساوي بين المواطنين ، وعلى ذلك فالرأي العام لاينمو ويتطور إلا في بيئة ديمقراطية توفر الحريات السياسية بمعنييها الفردي والإجتماعي ، لذا تخلو الشعوب في الأنظمة الإستبدادية من مفهوم الرأي العام وانعكاساته الفعلية .
2: الهدف الجامع أو التطلعات المشتركة - أكثر الشعوب قدرة على تشكيل رأي عام ،هي الشعوب المتجانسة أو التي تجتمع بأكثريتها حول هدف أو قضية معينة ، ولاتحظى أية قضية بصفة (رأي عام ) إلا بعد أن تناصرها أو تتبناها أكثرية سكّانية أو تثير اهتمامها ،لذا فكلما زادت المشتركات في مجتمع ما وانخفضت فيه الانقسامات البنيوية أو المجتمعية ، كلما كان الأقدر على صناعة (الرأي العام ) وجعله فاعلاً في تأثيراته على قرارات الدولة .
3: شيوع الثقافة وارتفاع منسوب الوعي – هذا العاملان يسهمان بفاعلية في جعل الشعوب تحتكم إلى العقل لبناء آرائها، وبالتالي تقترب من الصواب في تقييم قضاياها أو أداء من إنتدبتهم إلى قيادتها حسبما اتفقت عليه من دستور ، وعلى ذلك فالشعب الأكثر ثقافة ووعياً ، هو الأقلّ تعرضاً للخداع والإستغفال ، وبالتالي الأقدر على احترام الحرية والالتزام بالقانون وبناء الدولة الديمقراطية ، انه يطالب بانجاز يسنده الفكر ويقيمه العلم ،أو بتفسير موضوعي عند إخفاق السلطة في مهمة معينة ، وبالتالي لايقنعه التبرير بديلاً للفشل.
في العراق ،ولطبيعة الإنقسامات المجتمعية أوالسياسية على القضايا العامة ،لم يتشكل رأي عام بالمعنى الوارد أعلاه ، فالسياسيون لجأوا إلى تبريرات قصدية يتخللها التحذير مما يعدّه الآخرون ومن ثم التحريض ضدهم ، وبالتالي تراجعت التبريرات الفردية لتتخذ ثم شكل تعبئة جمعية تقف خلف الجهة الحاكمةأو المعارضة لها،ما يتسبب بانقسام عمودي في المجتمع ،وقد يفسّر ذلك الميل المتزايد إلى فقدان الثقة بين السياسيين وإثارتهم للتوترات والنعرات الطائفية أو الإثنية باعتبارها الأضمن لبقائهم .
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)