الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||
عادت الاوهام لتبني لنفسها عشاً في أذهان الساذجين بعد أن فاح مروق الملحدين وتجاهروا باستغلال البسطاء ليجعلوا من تفشي الأوبئة والاذى ذريعة للتشكيك في عدالة السماء أو انكار وجود الله تعالى فسُلبوا التوفيق وابتعدوا عن سلطان الايمان فوقعوا في مصيدة الشيطان صاغرين خائبين.
نعم اليوم أكثر من أي وقت آخر يتجاهر البعض بإلحادهم ويشككون بوجود الواجب لذاته تحت ذريعة تفشي الوباء وعدم تدخل السماء في انقاذ الناس ورفع البلاء والوباء, ويوهمون الناس بأن وجود الله يستلزم الأمن والأمان والسلامة باعتباره مسلط على كل شيء مع وجوده, ولما تعددت المصاعب والبلايا والكوارث وعمدت إلى تعكر صفوة حياة الناس وسلبتهم لذة الحياة وزادتهم مخاوف واضطرابات, استغل الملحدون فساد الحال فزرعوا فكرة السؤال المحال في عقول الناس, أين دور الالهي؟ ولماذا هذه الشرور في حياة الناس؟ بل لماذا لم يجعل الله الدنيا دار سعادة وهناء؟
هذه الاسئلة وغيرها كثير يتوارد في عقول العامة ويستغلها المنحرفون بأفكارهم المريضة, والذي ينبغي أن نعلمه جميعاً أن فلسفة الحياة والانتقال من دار إلى دار يقتضي وجود الفتنة والبلاء ليتميز الصالح عن الطالح, مع الأخذ بنظر الاعتبار بأن البلاء للظالم أدب وللمؤمن ابتلاء وللأولياء درجة, وقد سبق القول على لسان النبيِّ صلى الله عليه وآله إذ قال: ما أوذي نبيٌّ بمثل ما أوذيت, مع العلم أنه خير خلق الله تعالى من الاولين والآخرين.
أما الفلسفة المادية والتي أخذت تنشط هذه الأيام فيعتبرون وجود البلاء دليل النقص أو الجهل في الخالق؛ لأنه بحسب فهمهم لو كان موجوداً للزم انتشار الخير والبركة والراحة دون العناء أو البلاء, وهذا هو الجهل المركب؛ وذلك لأن الخالق تعالى يخلق الاشياء خدمة لوجود الموجود ولا يخلق شيئا لا فائدة منه؛ إلا أن الناس قد يستبدلون الخير بغيره, فمثلا فاكهة العنب والتمر أيضاً من الخير الكثير وقد يستبدلهما الناس إلى أن يجعل منهما الخمر فينقلب خيره شراً, كذلك معظم ما يدور في فلكنا فالله لا يخلق إلا الخير وهذا يتناسب مع لطف الله تعالى وعدالته, وقد جعل الله سبل الوصول إلى الغايات ميسرة وسالكة, فالطالب قد يسهر ليله ويبلغ مجهوده وتُتعبه القراءة والكتابة ولكن ينتظره النجاح والتفوق, والتاجر يبذل المال ويجتهد في نقل البضاعة والسهر عليها ولكن الربح ينسيه همُّ التعب والنصب, كذلك الانسان يعيش في دنياه بين التعب والنصب والبلاء ليكون الفوز والنجاة لمن يصبر عليها ويحظى برضى الله تعالى ويبتعد عن سخطه.
أن وجود الله تعالى لا يحتاج إلى دليل فنحن من علامات وجوده, وعدالته لا تحتاج إلى برهان ففي كل جانبٍ من جوانب حياة المخلوقات نجده سبحانه وتعالى قد خلق التوازن, فلم يكلف المخلوقين أكثر مما يطيقون, ولم يحملهم زيادة على قدرتهم, وهو الخالق الذي يدرك قدرة مخلوقاته؛ لذلك وجده المؤمنون به في كل شيء وغاب وحيه عن غيرهم من الذين لم يكونوا مؤهلين لهذا التشريف وليكون حظهم الانكار والالحاد والنفور ويخسروا الاختبار كما خسر ابليس وفرعون, فطاش سهمهم فلم ينفعهم الرجوع وغدوا على حرد قادرين.
https://telegram.me/buratha