الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||
تتغير أحوال الناس غالبا بحسب المعطيات التي تترادف, فدوام الحال من المحال, وليس من الممكن أن يكون التغيير نحو الافضل دائما, فالكثير قد يقع في فخ الاموال والقوة والسلطة والجاه والصحة فينغرُّ بنفسه حتى يقع ضحية هواه, فيفوته الغنى الذي اياه طلب ويدركه الفقر الذي منه هرب, ولا أعني تفسير الغنى والفقر بالماديات بقدر ما يهمنا البعد المعنوي الذي لا يلتفت إليه عامة الناس, وقد يلزمه البلاء للرجوع عن غيِّه وتغيير حاله نحو الأفضل بمعرفة حاجته إلى رحمة الله تعالى ورعايته.
إن لوجود البلاء والمصائب في حياة الناس أثر كبير في رقيِّه وتقدمه العلمي والاخلاقي؛ ولذا فإن الشرور العارضة خاصة والطارئة قد تكون من مصلحة الانسان, فمثلا نحتاج أحيانا إلى اجراء عملية جراحية معينة من أجل العلاج ونسعى إليها وندفع الاموال للأطباء وقد نطلب التعجيل بها لأن فيها سلامتنا, فنحاول أن ندفع البلاء الكبير الذي يهددنا ببلاء صغير كأن تكون بعملية جراحية أو كورس علاج أو غير ذلك من أنواع الابتلاء, ولا يُعد من نقدمه من المال أو الأوجاع بلاء لأن فيه انقاذ أرواحنا, فندفع الضرر الكبير بالصغير وهذا منطقي في محاولات العلاج المختلفة.
والناظر إلى البلايا يجد أنها من الوسائل التي قد يحفز الانسان على العطاء وكشف الطاقات العلمية, فكل ما كان من التقدم في المستويات المختلفة الطبية والهندسية والفنية والبناء والاعمار إنما كان بدافع الحاجة, والحاجة دفعتنا إلى التفكير فأبدعنا وبذلك قالوا: الحاجة أم الاختراع, ومن جانب آخر فإن المصائب تمثل جرس انذار سيما في المجالات الطبية, واليوم نسمع بعد جائحة كورونا العالم مشغول بأكثر من مائة وخمسون نوعا من اللقاح من أجل مقاومة الجائحة, وهذا بحد ذاته مؤشر إيجابي على التغيير نحو التقدم الطبي والعلمي, ومما زاد اهتمام الناس ومخاوفهم أن بعض الامراض قد لا نشعر بها إلى أن تتمكن من أصحابها كالسرطان والعياذ بالله وكذلك كورونا مما دفعنا إلى الاحتراز منها بالوسائل التي يمكن ان تدفعها عنا.
والذي يهمنا أن نقف عليه هو أن الحاجة والحرمان دليل النقص, فبعد أن يصاب الانسان بداء العظمة والتكبر لعله يحتاج إلى الشعور بالحرمان والحاجة لرجوعه إلى الصفات الحميدة التي فطر الله الناس عليها وأبعدهم عنها الغرور والطغيان, وحاجة الانسان إلى أخيه أو إلى غيره يجعله متواضعاً وهذا الأثر يعزز البعد الاخلاقي الذي لطالما أكد الاسلام على ضرورة الالتزام به حتى جاء في الأثر الطيب: إنما الامم بأخلاقها, والاخلاق الحسنة كفيلة برجوع العبد إلى ربه بعد أن كان متمادياً في الضلال والفساد, ولا يخفى أيضاً على كل ذي لُبٍّ أن الأمور إذا كانت مهيأة كلها للإنسان لطغى كما قال تعالى: (أن الانسان ليطغى, أن راه استغنى) نعم هذه الحقيقة لابد ان نعترف بها فلولا الموت والفقر والمرض لما طأطأ الانسان رأسه أبداً, وبذلك فإن البلاء طريق السعادة والتكامل الاخلاقي والروحي وسبيل الهداية والصلاح ويستلزم شكر الله على كل بلية؛ لأنها منهج السعادة ولو بعد حين.
https://telegram.me/buratha