المقالات

وبشِّرْ القاتل بالقتل..

2028 2020-08-12

بكر صدقي..حين تمتزج النزعة السلطوية بالإبادة الجماعية

    محمد الجاسم||        يوافق اليوم الحادي عشر من آب يوم مولد الفريق الركن بكر صدقي(عراقي كردي سني ) في كركوك في العام1886، لأبويين كرديين،وفي رواية ضعيفة يقال أن أبويه عربيّان، أو أن أحدهما عربي والآخر كردي،ولايدخل ذلك في عمق التقويم السياسي والعسكري لهذا الرجل الذي كان يحمل أفكاراً قومية عربية ، تكرست في عقله خلال سيرة حياته العسكرية التي قضى ردحاً كبيراً منها في الجيش العثماني،والمتبقي في الجيش العراقي المشكَّل حديثاً ،وقد استماله بعض دعاة القومية في العراق منذ عشرينات القرن المنصرم،للإستفادة منه للسيطرة على الحكم في العراق بأي ثمن،رغم أن تربيته العسكرية والمناصب التي تسنّمها كلها كانت من قبل البريطانيين.ولم يكن الفريق الركن بكر صدقي مجرد جندي مطيع بالطاعة العمياء لتنفيذ الأوامر،وحسب،بل كان ذا صرامة وتفنن في تنفيذ الأوامر الموسومة بالقسوة، والتي تخلف خسائر بشرية، دون أن تكون لهذه الخسائر ضرورة وطنية أو سيادية.ولعل جنوحه الشخصي للعنف بسبب إدمانه على الخمر،وميله للعلاقات النسائية المحرّمة،التي فضحها مسلسل تمثيلي درامي عراقي ،ربما هو مسلسل (الباشا) الذي كشف الكثير من خبايا أزلام النظام الملكي وسيرة حياتهم الخاصة الماجنة والدسائس والمؤامرات التي كانت غالباً ماتنتهي بإنقلاب عسكري تسيل فيه دماء مجرمين وأبرياء على السواء.      لقد إرتبط إسم الفريق الركن بكر صدقي بحوادث إبادة جماعية ،كان هو القائد العسكري التنفيذي فيها،والتي كانت دوافعها عنصرية تارة،وسياسية تارة أخرى،ومن أبشعها ماحدث في العام 1933 حيث المجزرة التي اقترفتها حكومة رشيد عالي الكيلاني في عهد الملك غازي ضد الآشوريين في قضاء (سُمّيل) ، ثم تلتها جريمة إبادة جماعية ضد عشائرمنطقة الفرات الأوسط التي انتفضت ضد الأوضاع المزرية في العام 1935 ،ولم تكن آخرها عملية الإبادة الجماعية التي عالجت بها الحكومة انتفاضة البارزانيين، في عهد وزير الداخلية تركي الأصل حكمت سليمان الذي كان يقرِّب إليه بكر صدقي كلما أوغل بدماء العراقيين لتوطيد سلطتهم.      إن المنعطف الأسوأ الخطير في حياة الفريق بكر صدقي هو الإنقلاب العسكري الذي قام به ضد وزارة ياسين الهاشمي الثانية التي اشتد الصراع ،وقتها ، بين الحكومة والمعارضة، حيث عملت الأخيرة "جاهدة لإسقاط الوزارة التي سعت للتمسك بالحكم بكل الوسائل والسبل، وفي تلك الأيام شغل الفريق بكر صدقي منصب قائد الفرقة الثانية وكان يتردد وباستمرار على دار قطب المعارضة المعروف حكمت سليمان، وكان الحديث يدور حول استئثار وزارة الهاشمي بالحكم، رغم افتقارها للتأيد الشعبي، وحين ذلك اختمرت عند بكر صدقي فكرة إسقاط وزارة الهاشمي بالقوة عن طريق القيام بانقلاب عسكري.".وفعلاً تم الإنقلاب وكان من أهم ضحاياه الفريق أول جعفر العسكري،وزير الدفاع سابقاً ومن ثم وزير الخارجية. تقول السيدة عصمت السعيد ، زوجة السيد صباح نوري السعيد، في كتابها (نوري السعيد ـ رجل الدولة والإنسان):      "بعد 6 أيام من حفل العرس، وقع انقلاب بكر صدقي، وقُتل فيه (جعفر العسكري) خال العريس،و عند مصرع جعفر العسكري وسيطرة القوات، التي تدين بالولاء لبكر صدقي، على الدولة العراقية، أمر الملك غازي كلاً من ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني ونوري السعيد بمغادرة العراق حفاظاً على سلامتهم، فغادر الهاشمي والكيلاني إلى لبنان، فيما توجه نوري السعيد وعائلته بطائرة عسكرية حملتهم من مطار (قاعدة الهندية) البريطانية، في العراق، إلى مصر حيث أقاموا في ضيافة أنسبائهم.. وكانت الرواتب التقاعدية لنوري السعيد وابنه صباح تصلهما إلى القاهرة.      إن توصيف الفريق الركن بكر صدقي بأنه كان وطنياً أو قومياً أو أن يدين بالولاء للعراق كان ضرباً من التزييف للحقائق..إذ ورد في مذكرة تأريخية لوزارة الخارجية البريطانية،مانصه:  " ان شعبة الاستخبارات في وزارة الطيران قالت: ان بكر صدقي كان مستخدماً لمدة من الزمن في حدود عام 1919-1920 كوكيل لاستخبارات الجيش البريطاني في منطقة الحدود العراقية التركية وقد انتمى إلى الجيش العراقي في كانون الثاني 1921 بتوصية من بريطانيا."       بعد نجاح هذا الإنقلاب الدموي بقيادة بكر صدقي بكر إستأثر هو لنفسه بمنصب رئيس أركان الجيش بدلاً من طه الهاشمي الذي أحيل الى التقاعد، أما ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني ونوري السعيد فقد هربوا من العراق على الفور برعاية الملك غازي و بمساعدة السفارة البريطانية خوفاً من بطش بكر صدقي. وأراد قائد الانقلاب بكر صدقي أن يرسل من يقوم بتصفية نوري السعيد والكيلاني والهاشمي إلا أن حكمت سليمان رفض الفكرة.       ومن الجدير بالإشارة هنا ـ للضرورة ـ أنه في الوقت نفسه، نظمت بعض الجهات السياسية مظاهرات مؤيدة للحكومة الإنقلابية،وكان على رأس تلك المظاهرات القيادي الشيوعي محمد صالح القزاز ،الذي كان أول رئيس لجمعية عمالية التي أسسها في تموز العام 1929،بإسم ( جمعية أصحاب الصنائع ) ،كا شارك بتلك التظاهرات الشاعر محمد مهدي الجواهري وعدد كبير من السياسيين الوطنيين، رغم علمهم بأن الحكومة الجديدة إنقلابية وجاءت على جثث مغدورين، وشاهد الضرورة هنا ،ان تلك التظاهرات رفعت شعارات مطلبية جماهيرية تطالب الحكومة فيها: 1.بإصدار العفو العام عن المسجونين السياسيين . 2.إطلاق حرية الصحافة وحرية التنظيم الحزبي والنقابي. 3. إزالة آثار الماضي والعمل على رفع مستوى معيشة الشعب وضمان حقوقه وحرياته . 4. تقوية الجيش ليكون حارساً أميناً لاستقلال البلاد. وهذه النقاط الأربع تؤكد لنا ـ نحن أبناء هذه الأيام ـ أن هذه المطالب كانت مفقودة في العهد الملكي ، رغم أهميتها القصوى للحياة العامة معيشياً وسياسياً.ولأهميتها وتفاعل الجماهير معها ،لم تقتصر تلك التظاهرات على العاصمة بغداد فقط ،بل كانت ألوية (محافظات) أخرى مسرحاً لها.      إن التأريخ الدموي المضمّخ بالقتل الذي وَسَمَ حياة وعقلية القائد العسكري بكر صدقي،لم يستمر طويلاً،لذا حلّت إرادة السماء بالإقتصاص منه بالطريقة ذاتها التي كان يصفّي بها خصومه السياسيين(وبشِّرْ القاتل بالقتل..)،ففي إحدى سفراته الى الموصل،التي كان ينوى السفر منها لحضور مناورات عسكرية تركية من المقرر إقامتها في 18 آب 1937، وفي التاسع من آب ذلك العام،وأثناء جلوسه في حديقة مطعم دار ضيافة المطار،" وبينما كان جالساً مع العقيد محمد علي جواد والمقدم الطيار موسى علي يتجاذبون أطراف الحديث، تقدم نائب العريف عبد الله التلعفري نحوهم ليقدم لهم المرطبات وكان يخبّيء مسدساً تحت ملابسه، ولما وصل قرب بكر صدقي أخرج مسدسه وصوبه نحو رأسه وأطلق النار عليه فقتل في الحال، ثم أقدم على إطلاق النار على قائد القوة الجوية العقيد محمد علي جواد وقتله هو آلآخر. ألقي القبض على القاتل وأشبع ضرباً وفي التحقيق الأولي اعترف بأن الذي جاء به لتنفيذ الجريمة هو الضابط محمود هندي الذي اختفى بعد الحادث. "      لقد إمتلأت كتب التأريخ والسير لرجال العهد الملكي بمثل هذه الخروقات الإنسانية والنزعات الإجرامية الإنقلابية،وأحكام الإعدام الجائرة التي طالت عراقيين،ليس لجرم اقترفوه، ولكن لمجرد أنهم سياسيون معارضون،ليس إلّا، كما حصل في إعدام يوسف سلمان يوسف (فهد) ورفاقه زكي بسيم (حازم) وحسين الشبيبي (صارم) قادة الحزب الشيوعي ومؤسسيه.وكان عادةً مايذهب ضحية تلك الأعمال الجبروتية والديكتاتورية سياسيون وعسكريون مستهدفون،كما يسقط على أثرها أبرياء كثيرون أيضا،ولم يُبْقِ ذلك التأريخ للعهد الملكي من فسحة للمدح والإطراء وحسن الصيت. وَرُبَّ قَوْل..أَنْفَذُ مِنْ صَوْل !   ناصريَةُ ـ دورتموند / ألمانيا 11 آب 2020
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
حيدر : انا لله وانا اليه راجعون يعني منين نبدي هو انتو سامعين بشي اسمه نقابة معلمين او فد ...
الموضوع :
السوداني يستقبل وفد نقابة المعلمين ويشيد بدور الملاكات التربوية وجهودها في العملية التعليمية
Hussain Hamza : سبحان الله انقل السحر على الساحر!! لماذا تدعمون إسرائيل ضد العرب؟ وضد غزة؟ هل لكم الحق في ...
الموضوع :
ردا الى تصريحات ترامب :: الناتو : الدول الأعضاء متمسكة بمبدأ الدفاع عن بعضها البعض
علي عباس مراد : اني احد منتسبي الشرطة الاتحادية المفسوخ عقدة من جراء الاصابة بعبوة ناسفة والمرض ولم استلم اي تعويض ...
الموضوع :
دائرة شؤون المواطنين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء تستقبل شكاوى المواطنين عبر موقعها الإلكتروني
فيسبوك