عبدالزهرة محمد الهنداوي||
لم تنتهي مأساة الحسين عند محاصرته في عرصات كربلاء، وقتله هو واهله وصحبة، في معركة لم تكن متكافئة في جميع المقاييس ..
انما تعرّض الحسين لحصارات كثيرة على مدى ١٣٨١ عاما مضت بعد واقعة الطف الشهيرة الممهورة بالدم وتقطيع الاجساد، كما أُعيد قتل الحسين والتمثيل به، مرات ومرات، ربما بنحو فاق ماجرى في العاشر من المحرم عام ٦١ للهجرة،
واذ اتحدث هنا عن حصارات الحسين وقتله مرارا بعد كربلاء، انما هي اشارة ، لما تعرضت له مباديء هذا الثائر العظيم المتمرد على كل ما هو سيء، من تشويه ومتاجرة، وركوب، واستغلال تلك المباديء بهدف إفراغها من محتواها الحقيقي، عبر نشر التجهيل والتثويل، وبالتالي تسهل مهمة قتل الثورة، والتمثيل بها، بطريقة، لاتقل بشاعة عما تعرض له مفجرها من مأساة، لم ولن يشهد لها التاريخ مثيلا، والمؤلم ان الحصارات التي تلت الثورة، وعمليات القتل الممنهج لها، كانت وما زالت تجري امام اعين الذين يسمون انفسهم "انصار ومحبي" الحسين، من دون ان يحركوا ساكنا، او يبادروا للانتفاض ضد القتلة، ونصرة معشوقهم، الذي بُح صوته، وهو ينادي، الا، هل من ناصر ينصرنا، ولكن من دون جدوى، اذ لم يكن يسمع سوى صدى صوته يتردد في الافاق، بعد ان عز الناصر..
ومما لاشك فيه ان الحسين بندائه ذاك كان يدرك تماما، ان أنصاره قليلون! ولكنه أراد ان يلقي الحجة على الآخرين، ويقطع الطريق أمام الانتهازيين، وإلا، فإنه كان يعلم إن من يتمرد ويثور ضد الاستبداد والطغيان والفساد، سيكون الموت مصيره لامحالة، وهنا تتجسد صلابة وثبات قادة الاصلاح على ما آمنوا به، لانهم يعلمون ان الاصلاح يحتاج الى تضحيات جسام، فما كان من الحسين الثائر والمصلح، الا ان يتقدم لمنازلة الظلام، بمصباح الشجاعة، الذي اضاء بدمه ودماء من امن به ثائرا من اجل الحرية..ليبقى ذلك المصباح ينير دياجير الظلمات مهما اشتدت حلكتها..
ان حصارات التثويل والتجهيل وتسطيح العقول التي تعرضت لها مباديء ملحمة كربلاء ، ربما يكون أصحابها نجحوا الى حد ما في تحقيق بعض ما كانوا يسعون اليه من طمس وتشويه لهذه المباديء، لذلك لم يعد مستغربا، شيوع الكثير من السلوكيات المناقضة والمناهضة بنحو سافر للحسين وثورته، والمؤلم، ان "معتنقي" هذه السلوكيات، غير الصحيحة، يعتقدون انهم صالحون ومصلحون، وبالتالى فإنهم بمنجى من كل سوء.. وهنا لا اريد ان اقلّب صفحات التاريخ، لاستعرض جانبا من الحصارات وعمليات الاغتيال التي تعرض لها الحسين، فهي اوضح من ان استعرضها ببضع سطور ، إنما أردت ايجاد ربط بسيط بين ماخرج الحسين من اجله، مقدّما دمه ثمنا له، الا وهو الاصلاح ، وبين مايحدث اليوم في المجتمع تحت شعار "نصرة الحسين" من خلال اختلاق القصص التي لاتمت إلى الواقعة بصلة، والتركيز على هوامش هي الأخرى غير سليمة، والابتعاد عن ما حملته وافرزته ثورة الحسين، من مباديء عظيمة، تجسدت بالبطولة، والتضحية، والوفاء، والثبات على المبدأ، ومقارعة الطاغوت مهما كانت النتائج..
ان الحديث عن ملحمة كربلاء، وحصارات الحسين المتعاقبة، يقودنا إلى القول ان من بين أهداف تلك الثورة، هي بث وصناعة الحياة والمحافظة عليها، مقابل ثمن باهظ، ولذلك ليس من المنطقي ان نأتي اليوم لنهدم كل ماشيده الحسين في نهضته، صانعا للحياة، ومغزى إشارتي هنا
إلى تعامل الناس مع جائحة كورونا، وعدم اكتراثهم بخطورة هذا الوباء الفتاك، فعلى الرغم من كل التحذيرات شديدة اللهجة، سواء تلك الصادرة من الجهات الصحية او المراجع الدينية، الا ان الكثيرين مازالوا غير ملتزمين، وآخرين يصرون على الذهاب الى كربلاء والنجف وباقي العتبات المقدسة، لاداء الزيارة، غير مدركين بما قد يسببونه من خطر عليهم وعلى الاخرين، وهم، بفعلهم هذا ، انما يحاصرون الحسين، ويقتلونه من جديد، لان ثورته كانت تهدف الى صناعة الحياة ، فهل من جاء صانعا للحياة مثل الحسين يقبل ويرضى ويسمح لمن يقومون بتخريب كل ماشيده هذا الثائر ، بداعي الجهل تارة ، وبداعي التخريب تارة أخرى؟؟!!
فإذا اردنا ان ننصر الحسين فعلا، فعلينا ان نتمسك بمبادئه كما اراد لتلك المباديء ان تمضي، وفي المقدمة منها صناعة حياة سعيدة للانسانية، فاذا كان خروجه وتضحيته بنفسه ومن معه، لكي يصنع لنا الحياة، فعلينا اليوم ان نحافظ على هذه الحياة، من خلال الالتزام بالتعليمات الصحية والوقائية، لكي نقي انفسنا والاخرين من شر هذه الجائحة..
وسلام على الحسين واهل بيته وصحبه.. وكفانا حصارا وقتلا له ولثورته..
https://telegram.me/buratha