واثق الجابري|
جلست ذات يوم مع فاسد أعرفه، وإذا به يحدثني وكأنه معلمٌ للأخلاق والنبل والنزاهة والوطنية والأخلاق والإستراتيجية، وصفته فاسداً ولا أملك ملفات تدينه، وكل ما أعرفه انه كان من المحرومين قبل العام 2003م، وأصبح الآن يتحدث بالمليارات والعمارات والسيارات والسفرات.
الحديث الذي جمعنا، كأي حديث يومي يتحدثه العراقيون وهم متذمرون من الفساد، يتبادلون الحسرات والآهات على ضياع مليارات الدولارات، وعدم جدية وغياب مسؤولية وضعف الرقابة، لفساد ينهش جسد الدولة ومواطنيها، ولا أحد يستطيع إيقاف إنتشاره ،في ظل تفشي الفساد وقوانين تساعد على إنتشاره، وبيروقراطية تحكم المؤسسات.
تحدث لي وهو يلعن السياسة والأحزاب والمسؤولين التنفيذيين والتشريعيين، بل حتى المواطنين الذين يعدهم سبباً لعودة الفساد بإختيار الفاسدين من خلال بيع الأصوات أو الإنتخابات تبعاً لولاءات حزبية أو عشائرية أو طائفية، ويذهب أكثر ،فيتّهم كثيراً من النخب والأعلام الذين هم بنظره يجاملون تبعاً لمصالحهم مع الجهات السياسية، حتى وصف البيئة أنها مناسبة لنمو الفساد،و يقول ثمة تفاخر بالفساد، ويتهم النزيه بالجبن، أو أنه فاسد، ويتظاهر بعكسه كي لا يُطلع أحداً.
استوقفي الكلام، وكأني أجلس أمام معلم شخص نقاط الخلل، ومنها يمكن إيجاد حلول وعلاجات للداء المُستشري في جسد الدولة، إلى حد أنه اتهم جماعات كثيرة، وعدَّ أفعالها فساداً مباشراً وغير مباشر، حتى تلك التي ينتمي إليها، وكأنه المخلص الوحيد، وفساده جزء من عمل خيري يقوم به، ولم يتبقَّ معه إلاّ آحاد بعدد الأصابع لم تتلطخ أياديهم بالفساد،.
إن حديثه لا يختلف كثيراً عن سياسيّين وأفراد، لو أتيحت لهم الفرصة لكانوا أشد فساداً، وكما يظن أن إنتقادهم هو لغرض المنافسة وليس للإصلاح، كما ويصف الفساد بالسوء، فمعارضوه أسوأ، لذلك يقبل به ولا يرضى بالخروج منه خوفاً من الأسوأ، وشعرت من حديثه أنه يحاول إعطاء التبريرات، ولذا يعدُّ الفسادَ شجاعةً وإقداماً على تحسين ذات الفرد إجتماعياً ومادياً، وأنه فرصة قد لا تتكرر، ولابد من إستغلالها أبشع إستغلال، والموجودون جميعهم يبحثون عنها ولم تُتَحْ لهم، أو أتيحت بأقدار متفاوتة ،والعبرة بالنتائج.
أصبحت جملة من الاستنتاجات والاستفهامات واضحة، ولا أتجرأ بالسؤال عن سبب الثراء وآليات الحصول عليه، فهو يرى وكغيره ممن تورطوا بالفساد، أنها منافسة، ولها قوانين مشجعة ومجتمع، يرسم بيئة مناسبة، ولم يَبقَ عندي إستفهامات، سوى أن أضيف هذا الحديث وأقول إلتقيت بفاسد وهكذا بقية الفاسدين، ومنهم من أبعد تفكيراً، ولا يهمه إن احترق البلد، كي يستمر الفساد، وكأنه يقول بطريقة مباشرة:« لماذا لا تكون فاسداً؟!»
https://telegram.me/buratha