عبدالزهرة محمد الهنداوي||
جوائحنا كثيرة، بعضها طاريء وأغلبها متجذر، مثل البراكين ! والطاريء مثل " كوفيد ١٩"، التي اجتاحت العالم كله، ولم تستثن، بلدا واحدا، دون ان تجتاحه، وبالتالي، اذ لايوجد بلد احسن من بلد، والناجح في المواجهة، هو الذي تمكن من وضع الخطوط الدفاعية الرصينة لصد هجوم هذا الفيروس المتنمر، وحماية شعبه من خطره..
وبالعودة إلى جوائحنا المتجذرة محليًا! فانها ملازمة لنا، وتفتك بنا على الدوام، وكأننا راضون بقدرنا، وهنا اتحدث عن واحدة من اخطر الجوائح وأكثرها فتكا ورعبا، تلك هي جائحة السلاح المنفلت، المنتشر في كل ارجاء الوطن، ويُعد هذا الملف احد اهم واعقد الملفات التي واجهت الحكومات المتعاقبة منذ عام ٢٠٠٣، وكانت كل حكومة تأتي، تعلن ، انه سيكون ملفها الأول، وأنها لن تغادر سدة الحكم، وإلا وحصرت ذلك السلاح بيدها، الا ان الذي كان يحدث، هو العكس تماما، اذ غادرت الحكومات، الواحدة تلو الأخرى، وهذا الملف ينمو ويتضخم، حتى بات يمثل مصدر تهديد وزعزعة للدولة، بكامل كيانها، لانه يمثل تحديا سافرا، لهيبتها، المتمثلة بالحكومة، التي لطالما وقفت عاجزة إزاء تفكيكه والتخلص منه!!
ومما لاشك فيه، ان تفاقم ملف السلاح المنفلت، يعزي إلى أسباب عدة، منها، عدم الشعور بالأمان، بسبب ضعف القوانين التي تحمي الناس، والشعور بالخوف يدفع الكائن الحي، إلى البحث عن وسائل الحماية الممكنة، وعندنا في العراق فإن وجود "التفگة" في البيت، كفيل ببعث شيئ من الاطمئنان، لدى الأسرة، وهذه تعد قيمة عراقية، ضمن المنظومة القيمية الاجتماعية الموروثة، وبطبيعة الحال، ان "التفگة" لم تعد كما كانت ، تُحشى بالصچم والبارود!، بل تطورت إلى "البيكيسي المايسكت"، و(RBG7)، والهاونات، والقاذفات، ناهيكم عن المدافع وربما الطائرات المسيرة، وشتى أنواع الأسلحة "البوبچية"!!، ولذلك، أمسينا اليوم، أمام الكثير من المشاهد المؤلمة، التي نشاهد فيها المسلحين المدججين، يغتالون هذا وذاك، وفقا لأجندات سياسية، او تصفية حسابات شخصية ، ناهيكم عن الخلافات العشائرية التي تمثل استفزازا صارخا للواقع الأمني نتيجة امتلاك تلك العشائر الكثير من ترسانات الأسلحة.
ومما لاشك فيه، ان وجود مثل هذا الانفلات في استخدام السلاح، كان له تأثيرا سلبيا واضحا على وجود الشركات الأجنبية العاملة في البلاد، وتأخر إنجاز عدد غير قليل من المشاريع الخدمية والاستثمارية في العديد من المحافظات..
وثمة أسباب أخرى ايضا تقف وراء انتشار السلاح خارج إطار القانون، من أهمها، ارتفاع مناسيب البطالة، وعدم وجود فرص عمل يمكن، ان تشغل الناس، لأن العمل كفيل بايجاد حالة من الاطمئنان لدى الانسان مايجعله، رافضا لأي مظهر من شأنه ان يهدد مصدر عيشه..
خلاصة القول، اننا نواجه جائحةً خطيرة جدا ، حصدت ومابرحت، تحصد أرواحا بريئة،بنحو مفاجيء، وبلا أعراض مسبقة، كما يحدث مع جائحة كورونا، التي تمنح المصابين بها فرصة كبيرة للعلاج، والشفاء منها..
فما الذي ينبغي فعله، لمواجهة جائحة السلاح المنفلت هذه؟!!
قطعا، اننا وقبل كل شيء نحتاج إلى قرار قوي من الحكومة، قرار واحد مركزي، وليس سوى ذلك كفيل بسحب السلاح المخزون في المشاجب غير المرخصة، والذي يفوق ماموجود في مشاجب القوات الأمنية، قرار لايقبل القسمة على اثنين، ويُنفذ بمرحلتين:تبدأ الاولى بدعوة الاشخاص والجهات التي لديها اسلحة خارج اطار القانون الى تسليم مالديهم من قطع سلاح، مقابل مكافآت مالية مجزية، وتحدد لذلك مدة زمنية يتم الاتفاق عليها، على ان لاتتجاوز الثلاثين يوما، وهذه المرحلة قد تساهم في سحب مانسبته ٣٠٪ من ما موجود من اسلحة، لدى الناس.
ثم تأتي المرحلة الثانية، وهي الشروع بتنفيذ حملة تفتيش واسعة على مستوى اصغر المناطق، لمصادرة القطع غير المسلّمة، مع الاخذ بنظر الاعتبار، غلق المناطق بنحو تام، لكي لايسمح بالمناورة وانتقال الاسلحة من منطقة الى أخرى، على ان تكون الحملات التفتيشية مباغتة.
مع ضرورة ان تشرع الحكومة، بإطلاق خطة تشغيل واسعة، توفر الكثير من فرص العمل، من خلال استثمار الإمكانات المتاحة لدى القطاع الخاص، وفتح أبواب الاستثمار أمام الشركات الأجنبية الكبيرة، لتتولى تنفيذ مشاريع عملاقة في جميع ارجاء العراق، واعتقد ان الشركات الكورية والصينية والأوربية، تمني نفسها بالظفر بفرصة استثمارية مجزية في العراق، ولدينا من هذه الفرص، ما يصعب تعداده..
وقبل هذا وذاك، نحتاج إلى تعاون فعال من قبل القضاء، والعشائر، والأحزاب، والإعلام، لكي نحقق الحلم الذي طال انتظاره، مجتمع مدني خال من السلاح، فعملية تحقيق الامن المجتمعي هي مهمة مشتركة بين المجتمع والحكومة، ولعل العمليات الامنية التي شهدتها بغداد والبصرة خلال الايام الماضية تمثل خطوة اولى على طريق تفكيك جائحة السلاح المتفلت، آملين استمرار مثل هذه الفعاليات الى النهاية، والا فان الجائحة ستزداد فتكا وضراوة..
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha