الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||
إن الحراك الشعبي ذات الطابع الجماهيري من أفضل سُبل النهوض ووعي المجتمعات على مرِّ العصور وفي مختلف الاوطان؛ لذلك نجد أن الكثير يعوِّل عليها ويحاول أن يستثمرها أو يستغلها, والاستثمار يكون بدوافع وطنية, وقد يترتب على النهوض في وجه الفساد والظلم الكثير من الخسائر البشرية والمادية, ولكن مع نجاح الثورة الشعبية يشعر الجميع بنشوة الانتصار, وحتى أصحاب الدماء والجرحى يشعرون أنهم قدموا ما كان ينبغي عليهم أن يقدموه, وأما حينما تستغل الثورة فنجد أن جميع أبناء الوطن قد خسروا وإن نجحت ثورتهم لأنها في الأصل كانت مسروقة, ولعلها قدمت خدمات مجانية لصالح أعداء الوطن.
وبين استثمار الثورة واستغلالها الكثير من الحجب التي مكَّنت العدو من الوصول على حساب الشعب الذي يكون في الغالب مطية الارادات السياسية الدنيئة, وهذا الأمر لم ينحصر بمجتمع دون آخر, لذلك ينبغي أن تكون الامة على درجة كبيرة من الوعي, وأن تكون هناك قيادة معروفة للحراك وبأهداف واضحة كي لا تصادر الثورة لتصبح وبالاً على المتظاهرين الثائرين, فتضيع بذلك قضيتهم ويتمكَّن السياسي الفاسد أكثر من ذي قبل, ويكون التنازل سلاح الثائر بعد أن أدرك نفسه في وسط تزاحم المصالح, وذبول المبادئ وتبخيرها عند الكثير ممن كنا نعتقد بسلامة وطنيتهم.
إن التجارب وإن فشلت إلا إنها تعلمنا الكثير, ففي الامس القريب كانت ساحات التظاهر تعجُّ بالكثير ممن جلسوا اليوم في مقعد السلطة؛ بل أصبح بعضه بوقاً للسلطة بعد أن كان من الثائرين عليها, ويحاول اسكات أصوات الرفاق الذين لا زالوا في ساحاتهم ينتظرون, وهذا الأمر يدعوا إلى ضرورة التفكير والاسترجاع, فأكثر من كنا نظنهم ثائرين إنما كانوا كالثيران التي تهدأ بعد أن يتم اشباع غرائزها, ولا شأن لهم بحقيقة الحراك الجماهيري الذي كان يروم محاربة الفساد والتغيير نحو الافضل.
وعلى هذا فإن الثورة وإن كانت أمل الجماهير الثائرة على مرِّ العصور؛ إلا إنها بحاجة إلى قيادة وطنية تتحلى مبادئ ثابتة, وأهداف واضحة, ولن تكون قيادتها من خارج البلاد لتكون منقادة إلى رغبات الاعداء؛ كالتي حصلت في العراق بعد خروج الكثير من أبناء الوطن ظناً منهم أنهم يعملون لصالح العراق؛ بينما قادتهم ثورتهم إلى تكريس الفساد والغاء الصفقات التي كانت مصدراً لإعمار الوطن كالصفقة الصينية, والعقود التي كانت مبرمة مع الشركات الالمانية لانتاج وتوليد الكهرباء, فجميعها ذهبت أدراج الرياح ببركة الحراك الشعبي الذي كان يدار في الغالب بأيادي خبيثة, فلما حققت أهدافها تركت الجماهير في حيرة الضياع, والأنكى من ذلك كله أن القوم لا زالوا يحاولون اصدار الأوامر والتوجيهات والمطالب التي لا تخدم الحال الوطنية وباسم الثوار, وأما الثوار فقد صاروا إلى التشتيت والاعتقال بعد أن انتهى مدَّة صلاحيتهم, فهل من معتبر؟
https://telegram.me/buratha