د . جواد الهنداوي *||
اجتماع الأمناء العامين لفصائل المقاومة الفلسطينية في بيروت بتاريخ ٢٠٢٠/٩/٣ هو اول مؤشر لتحرر الفلسطينيين ، سلطة و مقاومة ،ضفة غربية و غزّة ، من الإرادة العربية التي تخلّت و خذلت فلسطين ، قضية و دين و وطن يضّمُ المسلمين و المسيحيين و اليهود . الاجتماع و اللقاء بين الفرقاء مهم بقدر اهمية المُخرجات او النتائج .
لكي تتحرر فلسطين من الاحتلال الاسرائيلي ،لا بُدَّ من تحريرها اولاً من الخيانة و الإرادة العربية التي سعت ،منذ خمسينيات القرن الماضي ،الى دعم الاحتلال و ترسيخه وتعزيزه سّراً ،و مِنْ ثُمَّ علناً ، ومنذ سبعينيات القرن الماضي و حتى الآن ، من خلال الاعتراف السياسي بالكيان المغتصب ، والتطبيع ، وتمكينه ، والسعي لاعتبارهِ صديقاً وليس عدّواً مُحتلاً و مرتكباً للجرائم و ساعياً للتوسّع والتمدد والهيمنة في المنطقة .
التطبيع الإماراتي الاسرائيلي ، و مادارَ حوله من لقاءات و ندوات ، و صدرَ عنه من بيانات وتعليقات ،كشفَ لنا قِدمْ و حجم الارتباط و التنسيق والعلاقات الاستخباراتية بين بعض الدول العربية و اسرائيل . تبيّنَ لنا الآن ،صراحة وعلناً ، ما كان مستورا، ولكن لم يكْ خفياً على النخب المدركة للتآمر الإمبريالي والصهيوني و الرجعي . ما نكتبه ليس فقط تحليلاً ، وانّما وفقاً لما جاء في تصريحات بعض المسؤولين الاسرائيليين في جهاز الموساد ، وما نشرته بعض الصحف الاسرائيلية عن علاقات واتصالات ولقاءات بين جهاز الموساد الاسرائيلي وبعض المسؤولين العرب ، ومنذ ستينات القرن الماضي . تبّين لنا ايضاً بأنَّ هذه الاتصالات و اللقاءات ، والتي أخذت الدولة العربية على عاتقها مأسستها و جعلها رسمية ،من خلال اعتراف مصر والأردن باسرائيل ، و من خلال اتفاقيات أوسلو ، و من خلال التطبيع او بالأحرى ” التركيع ” لأنه تّمَ دون مبررات و دون مقابل ، كانت من اجل ترسيخ و دعم اسرائيل والتهيئة لتصفية القضية الفلسطينية .
إذاً ، لم تنمو وتترسخ وتتوسع اسرائيل بفضل الدعم الامريكي اللامحدود فقط ، وانّما ايضاً بسبب التآمر العربي الرسمي والخيانة العربية الرسمية و وقوع السلطة الفلسطينية في شرك التآمر و الخيانة .
سعت الصهيونية ،من خلال واجهاتها( امريكا و اسرائيل و الرجعية ) ، و منذ بداية الألفية الثالثة ، الى تحقيق هدفيّن اساسيّين : أضعاف الدولة العربية و إلحاق ما بقي منها عصياً على الاعتراف باسرائيل والتطبيع معها ،كسوريا و العراق ولبنان واليمن ، في ركب قافلة الدول الماضية تجاه اسرائيل ، والهدف الثاني هو العمل على التأثير على الشعب ،وجعل بوصلته نحو اسرائيل ، وبهذا الخصوص ،و ظّفت الصهيونية
وسائل و أدوات من اجل تحقيق هذيّن الهدفيّن . فما هي تلك الوسائل و الأدوات ؟
الارهاب ودعم الجماعات التكفيرية والفصائل المسلحة وكذلك تشجيع و إشاعة الفساد و الفوضى ،وهذه الأدوات نالت من الدولة ومن الشعب .
كذلك استخدام الإعلام و وسائل التواصل الاجتماعي والجيوش الإلكترونية و منظمات المجتمع المدني من اجل التأثير على ارادة الشعب و توجيهها من اجل التفاعل بالمشروع الصهيوني و التمهيد لقبوله .
اليوم ،امام جميع الفلسطينيين و امام الشعوب العربية خياريّن : إمّا الاستسلام و القبول بالشروط الاسرائيلية و الامريكية لتسوية ، جوهرها تصفية القضية الفلسطينية و الخضوع لهيمنة اسرائيل باعتبارها دولة يهودية ، و إمّا خيار المقاومة و بكافة الوسائل المكفولة في القانون الدولي .
اليوم ،تحرّرَ الفلسطينون من خداع و نفاق امريكا و اسرائيل و بعض الانظمة العربية الرسمية ،
و تحرّرَ ايضاً من سياسة الكذب و المماطلة و المراوغة ،التي تبنتّها السياسة الامريكية و الاسرائيلية و عملائهم .
على الفلسطينيين اليوم ان يدركوا بأنَّ ايَّ تفاوض ،في المستقبل ، مع اسرائيل لن يكْ فقط بشروط امريكية -اسرائيلية و إنما ايضاً بشروط أنظمة عربية تخدم المصلحة الاسرائيلية .
شروط و مقومات المقاومة الفلسطينية الآن مجتمعة ومتوفرة اكثر من الامس ، بفضل سقوط الأقنعة المُظلّلة و الخادعة ، وانهيار المسار التفاوضي الاستسلامي ، و توّحد فصائل المقاومة و السلطة الفلسطينية ، و متانة و صلابة جغرافية و محيط المقاومة الميدانية ، واقصد ايران و سوريا و لبنان والعراق و الداخل الفلسطيني .
* سفير عراقي سابق .
https://telegram.me/buratha