د. هاتف الركابي||
عندما نتحدث عن السياسة الخارجية والدبلوماسية العراقية ما بعد عام ٢٠٠٣ يتأكد لنا أن هناك إخفاقات كبيرة في الاداء لاسيما في أداء الوزارة نفسها كمؤسسة حتى أصبحت شبيهة بدائرة مراسلات يومية ، وكذلك القضايا العالقة فيما بين العراق ودول الجوار سواء في قضية المياه ، او النزاع على الحدود والموانىء، فضلاً عن الارباك في التعامل مع القضايا الدولية التي تعزز هيبة ومكانة العراق دولياً ، وضعف التمثيل الدولي أمام الهيئات الدولية المتعددة ..
ومن خلال اطلاعنا عن كثب ومراقبتنا لأداء الوزير الحالي ؛ تبين لنا من المعلومات الدقيقة أن ابرز مايميزه أنه يمتلك أهم صفة يفتقدها أغلب صناع القرار في الوقت الحالي وهي صفة الانسانية من خلال احترامه للمرؤوسين والموظفين ،، وعدم انتهاك حقوقهم حتى بات بابه مفتوح لكل موظف ، ولاتوجد هناك مشكلة وليس لها حل .. فضلاً عن متابعته لمسألة الابتعاث والاسراع فيها قدر الامكان ، وهنا يكون قد تجاوز البيروقراطية المدمرة التي تركها سلفه السابق وأعضاء مكتبه المتعالي الذين أوغلوا بانعدام العدالة ، مما أدى كل ذلك الى قتل الابداع والكفاءة ..
والصفة الاخرى أن الرجل يمتاز بالعقلانية والهدوء والاتزان في مساره الدبلوماسي الحالي ، إذ لايؤمن بسياسة المحاور والتخندق ، ولديه الطموح والرغبة العارمة في أن يكون العراق جسراً للصداقة بين شعوب المنطقة ،، كما أنه يؤمن بالدبلوماسية الناعمة كخيار استراتيجي لحل مشاكل العراق الدولية كافة..
فإذا ما استمر العمل في هذا الاداء سيكون له الأثر الكبير في رسم معالم السياسة الخارجية ، وانه حتماً سيحقق سلسلة من النجاحات في عمله المهني والاداري ، واعتقد جازماً انه سيملأ موقع مسؤوليته بما يتطلب من أداء ومهنيّة وكفاءة ومصداقيّة في التعامل مع القضايا والعلاقات الدولية سواء داخل الوزارة او خارجها في الشؤون الدولية..
ومن خلال متابعته هذه سيحقق قياس الاثر ، لأنه من البداية قد أعطى موقعه قيمة مهنية وكفاءة ووطنية يحتاجها العراق في هذا الظرف الحرج ، وتعامل مع القضايا باستقلالية ونزاهة ، وبالاخص فيما يتعلق بهمومنا الدولية..
فهو ينطلق من كونه شخصاً عملياً ، يستمع بشغف ، ولديه رغبة عارمة بالارتقاء والتطوير وتقييم الاثر التنظيمي،، وقد نقل لي احد الدبلوماسيين وبصدق بأنه يحمل هموم شتى منها ماهو سياسي واجتماعي ومنها ماهو مالي واقتصادي ، ومنها ماهو متعلق بواقع الوزارة نفسها في الدبلوماسية والتمثيل ..
ومن هذا المنطلق وبذات الوقت الذي نهيب فيه بالوزير ، وحرصاً على المصلحة الوطنية السامية ولاجل الحفاظ على تلك المكتسبات التي يتمتع بها ، وحتى لاتصبح الدبلوماسية اشبه بالكتابة على الماء ، وكي لاتقف عاجزة عن معالجة القضايا الراهنة ، أضع المقترحات الآتية :-
١- ضرورة التعاون والتعاضد مع البرلمان وخصوصاً النائب الاول لرئيس مجلس النواب كونه المسؤول عن عمل اللجان البرلمانية ذات الصلة بعمل الوزارة ، وما لدى الكعبي من تجربة متراكمة وانجازات على ارض الواقع من خلال الرؤيا والتحليل . وكذلك التعاون مع النائبة ( آلا طالباني ) والاستفادة من خبرتها الطويلة والمتراكمة ورؤيتها الثاقبة في مجال العلاقات الدولية .
٢- أن يتم الاعتماد على القامات الدبلوماسية الموجودة من السادة الوكلاء الحاليين والسفراء الموجودين والدبلوماسيين ممن يمتلكون الخبرة والكفاءة والابداع بتشكيل ( مجلس أو هيأة الرأي ) لأجل رسم استراتيجية وسياسة خارجية متكاملة وتوحيد الخطى بأعمق المعاني، وتصحيح الاختيارات كي تأخذ الكفاءة دورها الحقيقي ، وبالتالي ننفض الغبار عن وجه الدبلوماسية الحقيقية المتجددة بما يتلائم مع المجتمع الدولي ..
٣- إعادة النظر في التمثيل الدولي في البعثات العراقية في الخارج والتعامل بالمثل مع الدول التي ليس لها تمثيل دولي في العراق.
٤- اعادة النظر بعمل بعثاتنا الدبلوماسية بالارتقاء والتطوير والانتقال من الخط التقليدي الى المجال المتجدد والمتطور ، وضرورة النظر بعدالة بوجهات البعثات كي لايستأثر بعض الموظفين ممن يمتلكون السطوة والنفوذ في دول محددة بعينها ، في حين لايستطيع غيرهم ممن ليس لديهم النفوذ والتأثير من الوصول الى تلك الدول . وفي هذا المجال يكون لزاماً على الوزارة اعادة النظر بتوزيع المناصب ورئاسة البعثات مع الاخذ بالنظر بدور المبدعين والكفوئين.
٥- وحتى تخرج وزارة الخارجية من اطا رها التقليدي الى كل ماهو متجدد لاغبار عليه . ينبغي على الوزارة تشكيل فريق( إعلامي - قانوني - دبلوماسي ) ممن يمتلكون التحليل والرؤيا والظهور الاعلامي الناجح للتصدي والتوضيح بشكل مباشر ومستمر مع جميع القضايا أمام الشعب من على القنوات الفضائية ، فلطالما في السابق هناك اتفاقيات ومذكرات تفاهم وزيارات لشخصيات دولية كانت محل اختلاف واحتدام شديد ولم نجد اي دور للوزارة بالتصدي والتوضيح .
٧- أن تولي الوزارة أهمية خاصة ودقيقة واعادة النظر لبعثة العراق في الكويت واعطاء الدور الحقيقي لمن يمتلكون الخبرة والدراية والرؤية لاسيما لقضية النزاع في الحدود مع الكويت والموانىء، وكذلك تشكيل لجنة مختصة لوضع مشروع متكامل لقانون ( المجلس الوطني للمياه) لما له الاثر في حسم النزاع مع تركيا ، وانا شخصياً ولخبرتي في هذا المجال يمكن التعاون مع الوزارة بوضع مشروع القانون.
٨- في أطار ماتقدم يكون لزاماً على الوزارة اختيار التخصصات المطلوبة وفق الكفاءة والشهادات العليا للتعيينات الجديدة التي ستخصص للوزارة بعيداً عن التأثيرات الحزبية.
اخيراً ولحد كتابة هذه السطور أعتقد ان ( فؤاد حسين ) يجيد التعامل بمهنية وبدبلوماسية محترفة بما تتطلبه المصلحة العليا والتمثيل الدولي ، ولديه القدرة على تعزيز المكانة والهيبة ونزاهة العمل واستقراره وفاعليته .. مع الاخذ بالاعتبار أن إبعاد وغربلة مكتب الوزير السابق وابداله بالكفوئين له الاثر في النجاح.
ومن باب الوفاء والانصاف أن لاننسى الدور الكبير الذي يلعبه الآخرين من اركان الدبلوماسية الذين لديهم الباع الطويل بالتعامل مع ادق القضايا .
كل التوفيق للوزارة وللوزير والجميع ، وسنكون مراقبين بعمق ودقة لتقييم الاداء في المستقبل .. فإذا كان ايجابيا سنكتب داعمين وبقوة ، وإن كان هناك إخفاقاً سنضعه وبشدة..