المقالات

الفوضى العميقة

1346 2020-09-24

 

واثق الجابري||

 

يلجأ كثيرون إلى تبرير الفشل أو تعطل عمل الدولة، الى وجود "الدولة العميقة"، في إشارة واضحة إلى تحكم قوة توازي الدولة أو تنافسها أو تتفوق عليها.

ينطلق المفهوم من وجود قوة لا توالي الدولة بعملها وربما تقاطعهما، وينصب عملها بشكل إنفرادي لعرقلة عمل الدولة، ويؤسس لمؤسسات أو يستخدمها لخدمة جهات بذاتها دون مراعاة ما ينجم من إنعكاسات سلبية على الدولة وشعبها، وتؤسس لمحميات طبيعتها حماية مصالح خاصة ويقصد بها فساد إداري لصالح تلك الجهات.

وَرَدُّ الإتهام أو تحديد الدولة العميقة على لسان معظم القوى السياسية والشعبية، وكأن الدولة بقوانيها وأفعالها تشبه الأمواج الصغيرة ولا تمثل العمق، وما هو ظاهر لا يمثل عمق الدولة أو نتائجها، وما يظهر لا يمثل حقيقة الدولة ،وفي العمق الحقيقي الواقعي للدولة، والظاهر إنعكاسات ردود أفعال أو تمويه لا يعبّر عن كل ما يحدث، وربما مخالف له.

في ظاهر العمل السياسي أمواج متلاطمة متصارعة، وحالات هيجان بإنفعالات ذاتية أو تأثيرات خارجية حكمتها عوامل عدة غايتها شخصية، لا تملك ثابتاً ،بل هي في حال تلون، وتخرج من أزمة للدخول في غيرها، تفوقها مساحةً وعمقاً.

يتضح أن لظاهر العملية السياسية والإدارية في الدولة سطحاً شديد الخلاف ،وكما يبدو فإن لهذا السطح إرتباطاتٍ وعمقاً تنطلق منها،، ومعظم الأطراف تشارك بشكل مباشر أو غيره بإيجاد حالات الاشتباك، إلاّ أنها تطلق تسمية الدولة العميقة وكأنها سببٌ لكل ما يحدث، تنصلاً منها من تلك المسؤولية، وترمي الاتهام على ماهو غير واضح، بينما تتحاشى ذكر الواضح الذي يقر بوجوده القاصي والداني، منتفعاً ومتضرراً.

أسست القوى السياسية وغيرها شبكات عميقة، في كل حال لا تنفصل عن ظاهرها، وما هو واضح لا يخطط له بالعلن، وكل يعلن رفضه لأفعال هو يمارسها أو يجيزها لنفسه، وبذلك التنصل عن أن ظاهر الفوضى السياسية والإدارية، لايرتبط بتخطيط عميق، هو تنصل من تحمل مسؤولية البحث عن حلول للمشكلات، سواء كان طرفاً فيها أو يعرف أين تكمن عقدة مشكلتها.

إن ظاهرة الخلافات السياسية الحقيقية والمفتعلة، أنتجت فوضى في الواقع العراقي، وبما أن ظاهرها مرتبط بعمقها، فإن في العراق فوضى عميقة، ولو أنها كانت دولة  عميقة أو أن طرفاً واحداً متبنٍّ لتلك الدولة وبأن مشروعه للظاهر سواء كان سلباً أو ايجاباً، وبذلك لا قوة لوحدها تحكم الدولة العميقة، ولكل منهم أهدافه وأدواتها، ومن خلال صراع في العمق أنتجت فوضى الدولة، ولكن كما يبدو أنها فوضى عميقة ومن الصعب التكهن بأعماق بعضها، التي تُظهر الإصلاح في الإعلام، وتبطن أهدافاً لفوضى عميقة.

ــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك