ذكرني تأخير الرواتب كل رأس شهر وصراع الحكومة والبرلمان، والجدل السياسي، بقصة بيع "الخُبّاز" وخسارة تجارته بعد أن حصلوا عليه بدون رأس مال!! يقول صديقي ذهبت إلى منطقة في الكوت، ووجدت جماعة يجنون الخُبّاز من البريّة، حيث نبت من الطبيعة بعد تساقط الأمطار، وبعد بيعه وفي ساعة المحاسبة بينهم،تراهم يشتبكون بالأيادي ويتعاركون ويتضاربون ويقولون: "طلعنا خسارة، طلعنا كَسِر"؟! استغرب صديقي عن سبب الخسارة، في زرع لا يدفعون ديناراً ولا يبذلون جهداً سوى حصاده بأيديهم، واستغرب أن أموال البيع ما تزال في أيديهم فمن أين جاءت الخسارة؟! تقرب صديقي وأراد حل الإشكال، ومساعدتهم في العملية الحسابية أو معرفة مَنْ سرق أموالهم وسبب الخسارة؛ فشرحوا له بعد أن وجدوه مُصرّاً على معرفة الحقيقة، وعرف أنهم قبل أن يجنوا الخُبّاز يشترون خمراً ويشربونه، ليعدوا بائع الخمر أنهم سيعطونه المال بعد بيع المحصول، وسبب شجارهم أنهم يجدون كل يوم أن ما باعوه لا يكفي لسد سعر الخمر الذي يستهلكونه، وفي الصباح يشترون دون حساب ما سيحصلون عليه من مال، أو ماذا سيعطون للعوائل التي تنتظرهم. هذه القصة ربما لا تختلف عن قصة رأس الشهر العراقي، ورواتب المشمولين بها من موظفين ومتقاعدين ورعاية إجتماعية، ولا نتحدث عن الحكومة والبرلمان والدرجات الخاصة، فلهم ما يكفيهم لعشرات السنين، ومنهم مَنْ يقول أعمل مجاناً أو يترك عمل قطاع خاص بإيرادٍ مغرٍ، ويقولون أنه لسواد عيون العراقيين؟! ولكن يصبح ثرياً بعد هذا العمل المجاني وكما يدعي الإنساني! توقع كثيرون بتحسن الإقتصاد رغم جائحة كورونا وإنهيار إقتصاديات دول كُبرى، إلاّ أن العراق لا يتأثر لأنه لا يملك شركات عملاقة أو مساهمة أو متعددة الجنسيات، وكل إقتصاده ريعي؛ يبيع نفطاً ويوزع عوائده رواتب، وتأخذ منه مافيات الفساد، ومع حملات أعلنها رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، على المنافذ الحدودية، وقيل أنها وفرت عشرات المليارات، مثلما قيل أن معظم الواردات كانت لا تصل خزينة الدولة، إلاّ أن الحملة توقفت عند حدود معينة وستصبح في خبر كان، وكذلك لم ينعكس الإطاحة برؤوس فساد كبيرة، ويبدو أن هناك أكبر وأكثر حماية، مع وجود جملة واردات كالجباية والضرائب والغرامات المرورية والبلدية، ومنها غرامات بعشرات الآلاف نتيجة مخالفة حظر التجوال، وربما كان يعتقد أنها ستعوض خسائر الدولة. جانب آخر صبّ في صالح الاقتصاد العراقي، بعد إرتفاع أسعار النفط عن العام الماضي، والإكتفاء من بعض المنتجات الزراعية، ومع ذلك إبتدعت وزارة المالية إطلاق التوصيات الشهرية لصرف الرواتب، فيما تتحدث أخبار عن سرقة 6 مليارات من الأموال المقترضة من الخارج، ولا يُعرف مصداقية الإتهام؛ هل هو من البرلمان للحكومة، أو من الحكومة لإتهام قوى سياسية ولتبرير عجزها عن توفير الرواتب. يستمر الجدل ويأتي رأس الشهر ولا حلول منطقية إستراتيجية، والحكومة تطلب الإقتراض الداخلي والخارجي بتفويض من البرلمان، والبرلمان أرجأ جلساته إلى العاشر من شهر أكتوبر، وكأن الأمر لا يعنيهم، ولم يفكر الطرفان بحل المشكلة منذ شهور. يبدو أن الحكومة والبرلمان؛ كباعة "الخُبّاز"، يجمعون الأموال وفي رقابهم دين من الصباح الباكر، ويفتتح ما يحصل عليه العراق من أموال، إلى انفاقات غير ضرورية، ويأكل منها الفساد ومشاريع بلا جدوى وخطط وهمية، ولم يلمس العراقيون من أثر لتلك القرارات الإنشائية، التي توقعوا منها إعادة هيبة الدولة وإسترداد أمواله المنهوبة، وكما يبدو أن الدولة بدأت تنفق حتى من رأس المال وقد تصل إلى مرحلة العجز والشلل التام، ويحق للعراقين أن يقولوا: ( طلعنا كَسِرْ)، ويسألون من اشترى بأموال العراق خمراً؟
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha