د. هاتف الركابي ||
في مثل هذا اليوم من العام الماضي كان للقدر ان يحط رحاله بأمنيات تسقي عطش الارواح التي أنهكتها الأيام والنهارات الملتهبة .
نثر الشباب المظلومين كبريائهم وراء قافلة التحدي ..
كانوا الأصلاء بكل وقار ، حملوا معهم أحزاننا القديمة وأمنياتنا المعطلة .. زرعوا أغصان الحب في المدن والدروب ..نثروا دموعهم بلا إنقطاع .. كانوا عراقيون بكل نقاء ..
جنوبيون حد البكاء ..فراتيون عزاً وإباء.. ، حالمون بوطن بلا حروب ، وبيوت بلا شهداء.. فرغم الحزن الذي يملأ الأمكنة ،، هناك ساحة التحرير .. هناك ايقونة التاريخ وانشودة الثائرين نحو ضفاف الكرامة .. هناك الحبوبي ونزيف الخلود الذي يفضح النفاق ويهزم القنابل ليعيد ترتيب نبض الضمير فيغير مساره، هناك النخلات العراقيات التي لم تهزها رياح الحزن ، هناك ملتقى الاحزان ..
انتفاضة في بدايتها كانت من فقراء وطن البترول لما وقع عليهم من حيف وظلم شديدين ،،
خرج الفقراء ليقولوا للطواغيت كفاكم سلباً ونهباً وتعدياً فقد ضاق بنا العراق بما رحب .. انتفض المحملون بكل مواجع الظيم والحروب .. تصدوا للقنابل والرصاص ، فسقط الشهداء تلو الشهداء .. ووقفت الفراشات على دكة الحنين لتنثر دموعها إكليلاً من الضوء على جسد الشهداء.. وعندما مات الثائرون سمعنا نشيج الجنوب يمزق نياط التاريخ ويكشف كل اكاذيبه.. وتعطلت لغة الشعر وصمت كُتاب القصائد واصبح للدمع لغة لا يفقه مفرداتها الا من يعرف اسرار التوابيت التي تحمل جثث الامنيات..
وسمعنا أنات أمهات الثائرين في تشرين ، المفجوعات بوطنٍ لاينصف أحزان الفاقدات الناحبات بهدوء في عمق الليل الذي يخفي مقابر الثائرين وبقين ابد الدهر شاهدات على أزمنة الفجائع المتكررة..
ولكن سرعان ماتسربت خفافيش الظلام من تجار الدم والمال بدفع من داخل وخارج العراق من العربان والبعثيين والسفارة الامريكية ليتسللوا في صفوف المتظاهرين لتشوه هذه الانتفاضة وتؤطرها بأطار الفوضى ، وقاموا بتدريب ( الجريذي والوصخ والعگروك والسرسري وڤولتير الثورة غيوثي والسافل ستيڤن نبيل والدايحة والمخنثين والمدونين بالاجرة ) وغيرهم من بغال الذيح التي يعلفها ابن سلمان وابن زايد ومنحوهم لقب الجوكر ، فأحرقوا دوائر الدولة والمممتلكات الخاصة ومنعوا الدراسة في المدارس والجامعات ، ونحروا طفلاً في الوثبة وعلقوه على اعمدة الكهرباء ، وقتلوا شاباً وقطعوه ارباً ، واسقطوا كل القيم وتجاوزوا على الله وسبوا النبي والاولياء، واعتدوا على الحشد الشعبي ، واجبروا دوائر على الاستقالة ،، هؤلاء لايمتون بصلة الى المتظاهرين الحقيقيين لكنهم انجحوا خطتهم وغيروا مسار الانتفاضة وغرسوا خناجرهم فيها ، فنصبوا أميراً ، ووضعوا هنا من المرتزقة مستشاراً وهنا ناطقاً وهناك من الوصوليين وزيراً ، وهناك مديراً وهنا وكيلاً ،، ثم اصبحت ان يرفع اسم مرشح ما بعشرة شدات ويحرق اسم بعشرين شدة ، وسرعان مااختفت الخيم والستوتات والتكاتك والدراجات وتسربت افواج مكافحة الدوام والاف المواقع الالكترونية والصفحات الفيسبوكية والتويترية واختفت البرامج والحوارات من على القنوات وسكتت الاقلام عن كتابة المقالات والتحليلات وتوارت التنسيقيات واختفت الصحف والاذاعات التي تصدر من الساحات ، وخُذل المسكين المتظاهر الحقيقي بحجم الدماء التي أُريقت ..
على المتظاهرين الحقيقيين ان يتعلموا الدرس في قابل الايام وشكرا لانتفاضتكم التي علمت الدنيا والطواغيت دروساً بالغة ،، وسلامٌ على الشهداء بحجم العراق ..