منهل عبد الأمير المرشدي||
مما لا شك فيه أن مساحة الحديث مع الذات مفتوحة بلا حدود أو موانع او محظور . حزنا كانت وما أكثرها أم فرح كانت وما أقلّها وما بين هذا وذاك تنساب المفردات جمل وحروف وهمس تمتمة وجدل وجدال وحوار ونقاش يذوب كقطرات الندى التي تنساب من بين رموشي حينما كنت أعتقد في صغري أن جميع الأصدقاء أوفياء كما هي صلة الرحم قداسة نص سماوي في جوانح الروح .
كنت اعتقد أن المنزل الذي ولدنا فيه وترعرعنا وكبرنا فيه هو الأرض التي ارادها الله لنا بيتا وقدرا ووطنا وهوية لا شيء اغلى منه ولا شيء مثله وإن القلب الأحمر ذو السهم الذي يخترقه هو الحب ولست ادري أي حب لكنه هو الحب الذي عرفناه ورسمناه على الجدران وفي دفاترنا وفي رسائلنا لكل من نحب ولم يكن هنالك من لا نحب .
في طفولتنا كنّا أطفالا بحق وحقيقة فطرة وبراءة وطيبة وحياءوعفة . كانت أكبر الأوجاع وأقساها وأشدها ألما لنا هي وخزة الإبرة التي نتلقاها عند المرحوم السيد جواد حين نصاب بالحمى او الأنفلاونزا التي كانت تزورنا في كل عام مرة .
حين كنّا فتيانا كنا نقرأ ونبحث عما نقرأ واذكر فيما اذكر انني كنت اعتقد إن اجاثا كريستي مجرمة وليس مؤلفة وأن عذابات الإنتظار هي حلقة المحقق كونان .وأن أسوأ الناس شرشبيل واخطرهم الآنسة منشن .وأن أكبر الخيانات واخطرها سرقة قطعة من الشوكلاته.
وأن أعظم الأحلام ثروة خيالية تقدر بخمسة دنانير وأن جميع قصص الحب تنتهي بزواج الاميرات ولا وجود للنهايات الحزينة كما هي الأفلام المصرية حينما يقتل بطل الفلم جميع افراد العصابة مهما كان عددهم ومهما كانت عدتّهم ولا يموت حتى وإن رموه بألف طلقة من الف بندقية فأنه سينتصر عليهم ويلتقي بحبيبته ويحضنها ويقبلّها .
كنت في صغري اعتقد كل هذا واصطنع السعادة لنفسي بالتهام قطعة المثلجات وحين تالمنى أسناني اسرف في الضحك .
لكنني لم اعتقد يوما ولا أظن إني اعتقدت أو توقعت انني سأرى في حياتي آلاما اقسى من ألم الظلم الذي يعيشه الفقراء في بلدي تحت سطوة اللصوص ولا اعتقد يوما إني سأرى خيانات لبشر يبيعون وطن ويتآمرون على الوطن وينهبون بخيرات الوطن ..
أي حقارة وخسة ونذالة لا ولم ولن اتوقع ان ارى مثلها كما اراها اليوم في وطني .. نعم فحين يأخذني الحنين إلى الوراء لا أعلم هل أبتسم لأن بعض الذكريات جميلة. أو أصرخ لأن الحاضر حقا يخيفني . أم ابكي لأن الماضي لا يعود.
https://telegram.me/buratha