أشد ما يدهشني اليوم الوضاعة التي وصل اليها التفكير في الغرب بحيث انه صار لا يفرق بين الحرية التي هو رائد إنتشارها في العالم والسخرية التي هي خُلُقٌ دنيء لا يمكن أن نجعله عرفا من أعراف الحرية في التعبير ، وإلا فمن الممكن للاجيال يوما ما أن تجبرنا على جعل الإغتصاب حرية للتعبير عن الحب من طرف واحد او القتل حرية للتعبير عن مشاعر الغضب وغيرها من وسائل الوضاعة والبدائية من الأفعالِ الشاذة التي يرتكبها الانسان المنحرف في كل مكان من العالم بدأً من الغابات النائية في الأمازون وأحراش أفريقيا الى الاليزيه والبكنغهام في لندن .
لابد للعالم الغربي اليوم أن يعيد أولوياته ويصوغ مجدداً متبنياته الفكرية التي أفرط في توسيع فضاءاتها ليعود مجدداً الى أحضان الإنسانية التي إبتعد عنها كثيراً ، ويجب على علماء الإجتماع في العالم الغربي أن يفهموا المشاعر والتعبيرات على حقيقتها وبشكلها الانساني ، وعلى القيادات السياسية في اوربا وأمريكا ان يكّفوا عن اصدار القرارات المتعالية ، التي يخطّوا بها طرقا للعيش اجنبيةَ عن التفكير الانساني ، متعمدين او جاهلين بفداحة ما يقدمون عليه من تعجيم للإنسان ، ومحاولة حجزه في إسطبلات وقوالب لا تليق بغير العجماوات من خلق الله .
من منا يستوعب فعلَ معبّرٍ عن رأيه وهو يمشي خلف صاحب عاهة محاولا تقليده لإضحاك الناس عليه ؟ ... ومن في الغرب يستطيع أن يهضم مدَّعٍ لحرية التعبير وهو يرفع وسطى أصابعه يغمزه بشتيمة جنسية ؟ ... وأي انسان وقور محترم يتقبل منك شتيمة لجده او لجدته التي ماتت قبل مئة عام او اقل او اكثر ؟
لا يمكن لإنسان سوي أن يتقبل السخرية والبذاءة في القول والفعل ، والمسلمون ليسوا بدعا من الشعوب والامم ، بل هم أصحاب حضارة عريقة في تصنيف الاخلاق ووضع نظرياتها ، وليسوا الوحيدين ممن صنّف السخرية كخُلُقٍ بذيء يعاقب عليه القانون ، كذلك جميع الأُمم تعتبر السخرية خُلُقاً هابطاً لا يلجأ اليه الا الهابط والوضيع من الناس .
يمكننا كمسلمين أن نتقبل رفضك لفعل من أفعال النبي محمد صلى الله عليه وآله او غيره من الأنبياء عليهم السلام ومكتبات المسلمين حافلة بكتب الحوار والنقاش ... نحن نحاور الملحد الذي يشكك في وجود الله ، نعرض عليه حجتنا وليس لنا عليه سلطان في القبول او الرفض ، لكننا ابداً لا نقرُّ سبّاً لذات الله او سخرية لفعل من افعاله ، كذلك ليس من أخلاقنا أن نسب آلهة مفترضة لا نعترف بوجودها ، او نسخر من عقائد وأديان لا ندين بها ، وذلك جزء من اخلاق نتعبد الله تعالى بها ، وقد بذلت الأُمم السالفة الكثير من الوقت والجهد من أجل ترسيخها كمفاهيم انسانية تشيع الاحترام بين أبناء الأرض وتؤسس لهم مشتركات يلتقون عليها ...
قل انك تشكك في نبوة محمد صلوات الله عليه وآله ، وقد سبقك الى ذلك الكثيرون عبر التأريخ ولم يتعرض اليهم أحد بل ناقشهم الأفذاذ من العلماء والفلاسفة المسلمين ، حتى أن الامام علي (ع) جعل يوما في الأسبوع ودكة خاصة في مسجد الكوفة يقابل عليها الملحدين ليرد شكوكهم وشبهاتهم.
اليوم ، ونحن نرى العالم يرجع القهقرى وقد تشابكت لديه المفاهيم ، واختلطت عنده السخرية والسباب والمثلية الجنسية بالأخلاق والأعراف عمداً او جهلاً ، هذا العالم الذي تعددت لدى محافله السياسية المكاييل ... ففي الوقت الذي تُمنع الفرنسية من إرتداء حجابها وهو جزء من إختياراتها الشخصية ، لم نرى زبداً يتطاير من فم الرئيس ( ماكرون ) ولم نرى منه دمعة يذرفها بكاءً على تلك الحرية التي ديست في قلب الحضارة الغربية ، قرب برج ايفل الذي سحر عيون الشرق والغرب .
أي حضارة غربية تلك التي تمنع بناء المآذن وتسمح ببناء الصواريخ العابرة للقارات ؟ ... أي حضارة تلك التي تتحجج بالألم لمنع الختان وتسمح بتثقيب الشفة والأنف وخرم الأُذن وإدخال المسامير في الوجوه وهو ما فتحت له محال وعيادات في كل مدينة وحي ؟ ... أيُ حضارة تلك التي تسمح بالتعري وتمنع إرتداء الحجاب ؟ ... انه لمن محاسن ما جئناكم به نحن المهاجرون الشرقيون ايها الغرب، هي العفة والغيرة والشرف والإحساس بالكرامة ... هذه الصفات الإنسانية الحميدة التي بدأت تتسرب الى مجتمعكم المفكك الخالي من الروح والمشاعر .
ليس فينا من يقبل إنتهاك حرمة الدم كما ليس منا من يقبل إنتهاك حرمة الدين والعقيدة بالسخرية والتطاول والسباب وفي المقابل نتقبل بكل رحابة صدر بل إننا نتوق لمن يفتح معنا حواراً في حقيقةِ ديننا او صدقِ رسالة نبينا لاننا نعلم جيداً اننا نقف على ارضٍ رصينة ولدينا الحجج الكافية لإقناع العاقل بكل مانؤمن به . كلنا مدعوون اليوم للمطالبة بسن قانون عالمي يُحرِّم الإستفزاز ويُفرّق بين النقاش العلمي والحوار الرصين وبين السباب والشتائم والسخرية والبذاءة في القول والفعل ...
فالسخرية ليست من حرية التعبير أيها الغرب ... دعونا نقف جميعا لحماية إنسانيتنا من هجوم الأوباش .
https://telegram.me/buratha