جمعة العطواني||
الاساءات المتكررة الى رسول الله الاعظم محمد صلى الله عليه واله وسلم ليست وليدة لحظتها ، ولا هي انفعال يقوم به شخص ( متطرف) هنا ، و ( وملحد ) هناك، بقدر ما هو جزء من استراتيجية بعيدة الامد، وسياسة مخط لها منذ عقود تنفذ بدقة وفق برنامجها المرسوم، وتطبق وفق سياقات وتوقيتات دقيقة.
( أس) المشكلة التي تقف امام دول الاستكبار العالمي في تدمير العالم الاسلامي والسيطرة على كل امكاناته السياسية وقدراته الاقتصادية وصولا الى تبعية الشعوب المسلمة الى الثقافات الغربية من انحطاط خلقي، وانحلال اجتماعي، وتفكك اسري تكمن في منظومة القيم الاسلامية التي تضبط حركة الانسان المسلم والتي يتمحور حولها كهوية اسلامية وثابت شرعي واخلاقي، وتمثل هذه المظومة سلوك حياة يعيشه المسلم.
حاول الاستكبار العالمي ان يغزو الدول الاسلامية عسكريا وثقافيا واجتماعيا من اجل تفكيك منظومة الاخلاق والقيم هذه ، لكنه واجه مقاومة كبيرة اضطرته للرضوخ الى الامر الواقع ، وما غزو افغانستان ومن ثم العراق وتورط امريكا في هذين البلدين خير مثال على ذلك .
حاول الاستكبار العالمي ان يستعين بالجماعات التكفيرية التي صنعتها دوائر المخابرات الامريكية والغربية منذ عقود من اجل خوض الحرب بالنيابة لتحقيق اهدافها ، فكانت القاعدة وداعش، وجبهة النصرة واحرار الشام خير مثال على ذلك ، فقامت بعمليات قتل وانتهاك واغتصاب وبقر البطون وترويع الناس ، وهي ترفع راية ( لا اله الا الله ).
الهدف من ذلك ليس صناعة الفوضى( الخلاقة ) التي تريدها امريكا لتمرير مشروعها ( الشرق اوسطي) فحسب ، بل لاستهداف الاسلام بالدرجة الاولى ، من خلال تسويق هذه الجماعات على انها نموذج حكم الاسلام على مدى التاريخ .
كما ينبغي التاكيد على ان مصدر سلوك هذه الجماعات الارهابية في تشريع القتل والاغتصاب والفتك بالناس من داخل منظومة التراث الاسلامي، هي الروايات الاسرائيلية التي دخلت الى التراث الاسلامي منذ قرون طويلة ، حتى تعاطت معها بعض المدارس الاسلامية على انها جزء من تراثنا الصحيح، وقد انشئت مدارس وهابية تكفيرية على هذا الاساس، ومن يراجع تاريخنا الحديث يجد هذا السلوك يتحرك على الارض.
على اية حال حاولت دوائر مخابرات الاستكبار العالمي ان توظف الروايات الاسرائيلية لتشويه صورة الاسلام ونبي الاسلام، بالاضافة الى تصفية حساباتها مع المجتمعات الاسلامية من خلال تفكيك الدول وتقسيمها بعد ادخالها في حروب ظاهرها مذهبية او قومية وباطنها خدمة المشروع الغربي- الامريكي .
وما حصل منذ عقود هو تنفيذ لهذه السياسة بوضوح وبتوقيتات زمنية مدروسة، فمنذ احداث الحادي عشر من سبتمر والعمل على تقديم الاسلام الى المجتمعات الغربية على انه دين ( التوحش والقتل والجهل)، والمسلمون بالضرورة هم نتاج لهذا الدين، وما يحصل في العالم الاسلامي وحتى في الدول الغربية وامريكا من عمليات ارهابية تمثل صورة مصغرة للدين الاسلامي.
ومن يتابع تصريحات الرئيس الفرنسي وسائر الرؤساء الامريكان والغرب يجد مصطلح ( الارهاب الاسلامي) او ( الاسلاموي) من المصطلحات الرائجة في خطاباتهم وكلماتهم.
هذه المواقف والسلوكيات ، بل والاحداث التي يشهدها العالم جعلت الاعلام والصحافة الغربية تنظر الى رسول الاسلام صلى الله عليه واله وسلم على انه رسول الارهاب ( والعياذ بالله) ، فحري بهذا الاعلام وتلك الصحافة فضلا عن المتطرفين في تلك الدول ، ناهيك عن الصهاينة وموسادهم ان يوظفوا المال والاقلام والاعلام للقيام بدورهم في النيل من رسول الله، بوصفه يمثل راس هرم الدين الاسلامي .
ان انتهاك قدسية ومكانة رسول الله قد يواجه امتعاضا او رفضاا من المسلمين، لكن بمرور الزمن سيصبح امراً واقعأ، وجزء من ( حرية التعبير) التي تتمشدق بها امريكا والغرب، هكذا تتصور دول الاستكبار.
وقد لا يصدق البعض بهذا التصو، لكن من يتصور ان القدس وارض فلسطين تصبح امرا واقعا في نظر الانظمة العربية وبعض الانظمة الاسلامية، بل وحتى بعض الشعوب العربية والاسلامية؟ ها هي اصبحت أمرا واقعا، وقضية سياسية تخضع لمصالح سياسية وامزجة حكام وتتعاطى معها بعض للشعوب على هذا الاساس.
لم تكن الرسوم الكاريكترية ضد رسول الله الاعظم اسوء حالا من اصرار الرئيس الفرنسي على دعم هذا التوجه ، بل والاصرار على استمرار هذا النهج ، على اعتبار انها سياسة متكاملة يتبادلون فيها الادوار ، فدولة مثل امريكا تصنع الارهاب، واخرى مثل فرنسا ودول الاتحاد الاوروبي ترعاه من خلال بناء مساجد وجوامع وتؤيدهم في بلدانهم ، وثالثة مثل فرنسا والدنمارك تعطي الحرية المطلقة لاعلامها وصحافتها للنيل من قداسة رسول الله الاعظم، ورؤساء تلك الدول يدافعون عن تلك الصحافة والاعلام ، وفي الوقت نفسه يدينون ردود الافعال التي يقوم بها بعض المسلمين هناك.
باختصار انها حرب وجودية بين الاسلام والمسلمين من جهة، وبين دول الاستكبار العالمي من جهة اخرى ، لكن هذه الحرب ليست ادواتها الاسلحة التقليدية في الجبهة العسكرية، بقدر ما ان ادواتها هي الاسلحة الثقافية والفكرية والاعلامية ، وهي الاخطر بلا ادنى شك، لانها تستهدف العقول ولا تستهدف الابدان ، وقتل العقول اخطر، واعاقة وتشويه العقول والافكار اخطر من اعاقة وتشويه الابدان .
من هنا علينا ان نحول التحديات التي تواجه الامة في دينها وعقيدتها ورسولها الى فرص في مواجهة العدو، كما تم تحويل التحديات التي واجهت الامة في الجبهات العسكرية والاقتصادية في الجمهورية الاسلامبة في ايران والعراق واليمن ولبنان وسوريا الى فرص مهمة للاقتدار وتحقيق الانتصارات .
علينا اولا ان نتمحور حول رسولنا الاعظم ونتماسك فيما بيننا، ونتغاضى عن خلافاتنا واختلافاتنا الفقهية والفكرية والعقائدية ما دامت هذه الخلافات تتحرك ضمن دائرة الاسلام الواحد، ووجودها لا يهدد الدين ولا ينتهك قداسة رسول الاسلام، وعلينا ان نتمحور حول رسول الله ونعرف عدونا الحقيقي الذي يريد مسخ هويتنا والاستخفاف بثوابتنا، وانتهاك قداسة رسولنا الاعظم ، فهل ننتظر عدوا اوضح من هذا العدو ؟
وهل نتوقع انتهاكا لثوابتنا اكثر من انتهاك قدسية رسول الله الاعظم ؟
اليس الله تعالى يقول ( محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم ) ؟
فاي كفر اكثر من ذلك ؟ واي دعوة قرانية الى الوحدة والتراحم اكثر من هذه الدعوة ؟
لماذا نتفرق ويجمعنا دين واحد، ونبي واحد، وقران واحد، بينما يتوحد عدونا ولا تجمعه جامعة دين ولا قيم ولا اخلاق غير اخلاق الانحطاط والتحلل؟.
ــــ
https://telegram.me/buratha