خيرالدين الهادي الشبكي||
لا يخفى أن الفساد عاهة كبيرة سار مجرى الدم في جسد الكثير من الناس حتى استفحل فتصور الفاسد أنه مصلح, ويتبرجح بين القوم ولا يعلم إلا تشخيص فساد غيره دونما الالتفات إلى نفسه التي أوغلت في تيه الضلال فصار هو الضلال الذي أخذ يعكس ظلماته في المجتمع بعيدا عن كل هداية أو رجوع إلى الحق؛ لأنه قد ختم على قلبه فلم يبقى فسحة لبريق الامل ليستقيم بها أمره ويتوجه نحو التخلص من درن الانحطاط المترتب على تراكمات الفساد الذي ساد حتى عُذَ محاربه محارباً ومصارعاً للجبل.
ومما ينبغي أن ندركه أن الظاهر يحكم بأن الجميع يحارب الفساد, والحال أن الكثير متورط به من حيث يعلم أو لا يعلم, فأما الذي لا يعلم فذاك الجاهل وقد يكون قاصراً, وأما الذي يعلم فنراه يتفنن في سوق الذرائع ليبرر لنفسه الفساد الذي بات يعتاش عليه الكثير من الناس وفي مختلف الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
ومن المناسب أن نعلم أن الفساد لا لون له و طعم ولا رائحة في ذاته ولكنه يفضح صاحبه بمجرد أن يبتلى به, ولا يتحدد بزاوية دون اخرى فالطبيب الذي يتاجر بمهنته الانسانية فاسد والعالم الذي يقدم علمه ليفترش لنفسه مكانة في المجتمع فقد فسد رأيه, والمعلم الذي أسرف في ضياع وقت الدرس لهواً فاسدٌ, والجندي الذي يقضي وقته بين الغفلة واللهو فقد ضيَّع ميثاق الشرف الذي يقصده الجندية في حمل القضية الوطنية, وعموم الموظفين الذين بات همهم تعداد ساعات الدوام دون أن يقدِّموا خدمة فقد اقتنعوا بالفساد المقنع, والحكومة بأركانها التي ارتضت أن تكون وسيلة لضياع حقوق الوطن والمواطن فاسد, ففي كل زاوية من زوايا المجتمع قد نجد فساداً وفاسدون, وأعظم من كل ذلك أن يكون الفاسد مدافعاً عن فساده غير متأسف ولا نادم حتى يفوته الرجوع الذي منعه الحجب, فيكون المآل إلى التيه والضلال بين الناس, فلا يستقيم أمر في المجتمع ولا يستجاب الدعاء وإن تعالت الاصوات وبلغت القلوب الحناجر.
إن مسؤولية الجميع الوقوف بوجه الفاسدين الذين يشرعون للفساد, ومقاومة الفساد قد يبدأ بشخص أو نفر كخطوة الالف ميل؛ لكنها مع اصرار المصلحين نصل إلى الخطوة الاخيرة, فبيت الفاسد ضعيف وإن أظهر قوته, وقوة الاصلاح كبير وإن قل أنصاره؛ لذلك فالجميع عليهم أن يجتهدوا في طلب الاصلاح ويسعوا إلى ذواتهم وكل من منطلقه وعمله ووظيفته, لنحقق المرتبة الاولى فننطلق منها إلى الآخر فيسهل علينا حينما تكون النوايا صادقة والعزيمة ثابتة والهمة عالية, وعلينا أن نعلم أن النجاح يبدأ بالعلم والمعرفة وهذا السرَّ دفع أسلافنا إلى أن يصطفوا على أبواب المكتبات كما نصطف اليوم على أبواب المقاهي والاسواق والحليم بالإشارة يفهم.
https://telegram.me/buratha