المقالات

عناصر قوة الشيعة التي يراد ضربها/ 10 / ايران


 

د. علي المؤمن||

 

   ظلت إيران منذ أن دخل شعبها في الإسلام؛ محطةً أساسية لهجرة الشيعة العرب عموماً، والعراقيين وذرية أئمة آل البيت خصوصاً، أو لجوئهم هرباً من بطش السلطات الأموية، ثم العباسية والأيوبية والعثمانية والبريطانية، وصولاً الى السلطات البعثية. وبرزت أهمية هذه الملجأ المذهبي بعد تأسيس أول دولة شيعية في ايران، وهي الدولة العلوية في طبرستان (محافظات مازندران وجيلان وجرجان الحالية) في العام 250 هـ (864 م)، على يد أحد أحفاد الإمام الحسن بن علي، الهارب مع أسرته من العراق من قمع السلطة العباسية.

   وتكرس وجود ايران كإحدى حاميات الواقع الشيعي بعد تأسيس الدولة البويهية، ثم حامية وحيدة بعد انهيار جميع الدول الشيعية، الإدريسية في شمال افريقيا، والحمدانية في شمال العراق وسوريا الكبرى، والفاطمية في مصر، وتأسيس الدولة الصفوية على يد الأسرة الموسوية الصفوية. واستمر هذا الوضع الى العصر الحديث وتأسيس الدول القومية في العالم الإسلامي؛ إذ تعد ايران، الدولة الشيعية الوحيدة، الى جانب (55) دولة سنية تحكمها أنظمة سنية، وخمس دول بات السنة والشيعة يشتركون رسمياً في حكمها (العراق ولبنان وسوريا واليمن وآذربيجان).

   وبرز دور إيران الإقليمي في دعم الحراك الإسلامي عموماً، والشيعي خصوصاً، وحمايته، بعد تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية فيها، ولاتزال الداعم الوحيد للمشاركة الشيعية الحكومية في البلدان الخمسة المذكورة، ولولا هذه الحماية الطبيعية ذات المنشأ الديني والإنساني، لتخلخل واقع هذه المشاركة بشكل كبير.

   هذا الحضور الإيراني الإقليمي الفاعل، هو عنصر القوة الايديولوجية والفكرية والثقافية والإعلامية والسياسية الأساسية للشيعة، ولنظامهم الاجتماعي الديني، ومنطلق الصعود الشيعي الكبير بعد العام 1979، والذي حقق إنجازات أساسية على الأرض، للشيعة عموماً، والشيعة العرب خصوصاً، وإن تخلل هذا الحضور والصعود أخطاء وإشكاليات غير مقبولة. وقد أثار هذه الصعود حفيظة جميع الأنظمة السنية، رغم كونها أنظمة علمانية غالباً، وكذا المؤسسات الدينية السنية والوهابية الرسمية وشبه الرسمية، وأكثر الأحزاب والجماعات السنية، العلمانية والإسلامية؛ لأن هذا الصعود غير المسبوق يتسبب في خلل في معادلة الهيمنة الطائفية في العالم الإسلامي، ويسمح للشيعة بالحصول على جزء من حقوقهم وحرياتهم المذهبية والسياسية والاجتماعية، وهو ماظل مرفوضاً وممنوعاً طيلة القرون الماضية، وتحديداً منذ سقوط الدولة الصفوية.

   وراح خصوم الشيعة يصورون الحماية الإيرانية للشيعة بأنها تدخل سياسي وايديولوجي ايراني في شؤون بلدان الصعود الشيعي، وأنه يهدف الى تحقيق مصالح وطنية وسياسية لإيران. والحال؛ أن الشيعة عموماً يرون بأن المصالح الإيرانية المذهبية والسياسية تلتقي تلقائياً بمصالحهم، وبطموحاتهم في انتزاع حقوقهم الطبيعية، حتى وإن سلّمنا بأن دوافع الحماية الإيرانية هذه هي بالفعل مصالح وطنية وسياسية خاصة. وبالتالي؛ فهي مصالح مشتركة، حالها حال المصالح الايديولوجية والقومية والسياسية والاقتصادية المشتركة بين دول العالم. إلاّ أن الخصوم يهدفون من وراء هذه الإثارات الدعائية الى إحباط الحضور السياسي والمذهبي للشيعة، ولاسيما الشيعة العرب.

   وقد تعاضدت جهود الأنظمة الطائفية في المنطقة، وخاصة أنظمة البعث في العراق والسعودية وبعض البلدان الخليجية، وكذا كثير من الدول الغربية، تتقدمهم الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل ضرب إيران ونظامها الإسلامي الشيعي، وقوة الحماية التي تشكلها للشيعة، عبر استخدام أقوى وسائل الحرب، بدءاً بالحرب الإعلامية والدعائية والحرب العسكرية، وانتهاءً بالحرب الايديولوجية والإقتصادية. والهدف من وراء كل تلك الحروب، توجيه ضربة مشتركة للواقع الشيعي برمته، وليس لإيران وحسب؛ لأن خصوم الشيعة يعلنون جهاراً بأن ((ضرب ايران سينجم عنه انهيار الواقع الشيعي برمته، خاصة في العراق ولبنان؛ لأن إيران هي رأس الأفعى الشيعية؛ فإذا قطع الرأس، مات الجسد والذيل تلقائياً)) كما يقول رئيس المخابرات السعودية السابق بندر بن سلطان خلال اجتماعه برئيس المخابرات البريطانية.

________

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
كامل الكناني
2020-11-06
السيد الكاتب علي المؤمن قلم بارع ووثائقي حريف يمتعنا بكتاباته شكرا لكم وله على هذا النمط من الكتابة التي تحتاجها الساحة الثقافية في بلداننا لمصداقيتها,ودقتها في تحليل ورواية الاحداث.
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك