عبدالزهرة محمد الهنداوي||
تحرص البلدان المتقدمة كثيرا، على تطوير قدرات العاملين في مؤسساتها المختلفة، سواء أكان هؤلاء العاملون في القطاع الحكومي، او القطاع الخاص، بغية تمكينهم من اداء مهامهم الوظيفية.
ويُعد العراق، من البلدان الرائدة في هذا المجال، ولكن للأسف الشديد، شهدنا في العقود الأخيرة، تراجعا مخيفا في هذا الميدان، اذ لم تعد عملية التأهيل والتدريب والتطوير، احدى المتطلبات الأساسية لإشغال الوظيفة العامة، ما ادى إلى تراجع مستوى الاداء الوظيفي بنحو ملحوظ، وعلى جميع المستويات، وقد يكون ماشهده العراق من تضخم أورام الفساد، والتخبط في ادارة المؤسسات، هو من نتاج غياب برامج التدريب والتطوير..
وهنا، ومن اجل إنقاذ الموقف، من خلال رفع مستوى الاداء، فإن الأمر يتطلب، وضع برنامج تأهيلي عالي المستوى، يتضمن إقامة دورات تدريبية طويلة الأمد، وتكون إلزامية لجميع المستويات، بدءً من المديرين العامين ومعاونيهم، والوكلاء والوزراء ومن هم بدرجتهم، ورؤساء الهيآت، والنواب والمحافظين، ونوابهم، والدرجات الخاصة، وقادة الفرق، وآمري الألوية، ويجب ان تتضمن هذه الدورات التأهيلية، برامج تدريبية في المجالات الادارية والمالية والقانونية، والسياسية، وفن الخطابة، والاتكيت والبروتكول، والتفاوض، والحوار، التي تؤدي في النهاية الى الالمام الكامل بعناصر الادارة الأساسية الخمس وهي (التخطيط، والتنظيم، والتنسيق،والتوجيه، والرقابة.
كما ينبغي ان تكون المشاركة في هذه الدورات إلزامية لجميع المستويات الوارد ذكرها، وان يكون من شروط اشغال المنصب او الوظيفة، هو اجتياز هذه الدورة، بنجاح، مع تقديم بحث او دراسة، يمكن ان تمثل فكرة تطويرية، في المجال الذي يعمل فيه المشمول، وان لا يتسلم مهامه الا بعد ظهور النتائج، وان كان شغل منصبه قبل الانخراط في الدورة، وظهرت النتيجة فيما بعد سالبة، فان الأمر يتطلب إعفاءه من مهام لتناط بآخر..
وربما يبدو هذا الإجراء صعبا، او حتى مستحيلا، في ظل الواقع العراقي، ولكن اكاد اجزم، ان تنفيذ مثل هذا البرنامج بمهنية عالية، سيسهم في تحسين مستوى الاداء الوظيفي، بنحو واضح وملحوظ، ولكن ربما يحتاج إلى تشريع جديد، يتم إعداده بعناية من قبل المركز الوطني للتطوير الاداري في وزارة التخطيط، بوصفه الجهة المعنية بعمليات تأهيل وتطوير قدرات موظفي الدولة، بالاشتراك مع مجلس الخدمة الاتحادي، الذي سيتولى وضع المعايير والأسس التي تنظم هذه العملية.
ولكي نحقق الاستدامة المطلوبة في عملية التطوير لقدرات موظفي الدولة من المستويات الوسطى والدنيا، ولكي لانقع في فراغ اداري، كالذي تعرضت له الكثير من مؤسسات الدولة، بعد تطبيق قانون التقاعد الجديد عام ٢٠١٩ الذي تسبب بخروج نسبة عالية، من ذوي الخبرة، وعدم تهيئة البديل المناسب، فأن الأمر يتطلب، النزول إلى تلك المستويات، وإشراكها في دورات تطويرية، على ان لاتكون تلك الدورات ، إسقاط فرض لأغراض الترقية والعلاوة السنوية، كما يمكن التوسع نحو القطاع الخاص، بذات الاليات، لكي يكون العاملون فيه مؤهلون أيضًا لاداء مهامهم وأعمالهم بمهارة عالية