منهل عبد الأمير المرشدي||
في آخر أيام الأمبراطورية العثمانية شهدت دمشق عجزا ماليا ونقص حاد في خزينة ومدخرات الولاية مما إضطر والي دمشق أسعد باشا أن يبحث عن أي وسيلة للخلاص من الأزمة فعقد إجتماع مع حاشيته وكبار مستشاريه ليساعدوه بأفكارهم والبحث عن ايرادات لدعم الخزينة التي قاربت على الإقلاس .
إقترحوا عليه أن يفرض ضريبه على الموظفين وصناع النسيج في دمشق وإن هذه الضريبة ستجلب له ما لا يقل عن خمسين الى ستين كيساً من الذهب .
فقال أسعد باشا : ولكنهم فقراء وأناس محدودي الدخل فمن أين سيأتون بهذا القدر من المال ؟ قالوا : يبيعون جواهر وحلي نسائهم يا مولانا .
رد عليهم اسعد باشا قائلا وماذا تقولون لو حصلت على المبلغ المطلوب بطريقه أفضل من احراج الفقراء والضغط عليهم .
فسكت الجميع ولم يقتنعوا بقوله الا انه في اليوم التالي قام بإرسال رسالة إلى مفتي دمشق وإمام الجامع الأموي لمقابلته بشكل سري .
وصل المفتي ليلا فقال له أسعد باشا عرفنا أنك اصبحت ثريا وقد كنت لا تملك شيئا كما انك منذ زمن طويل تسلك في بيتك سلوكاً غير قويم اضافة الى انك تشرب الخمر وتخالف الشريعه لذلك انا في سبيلي لابلاغ السلطان ولكنني فضلت ان أخبرك أولاً حتى لا تكون لك حجة علي .
تفاجأ المفتي المفجوع بما يسمع وأخذ يتوسل ويعرض مبالغ مالية على أسعد باشا لكي يطوي الموضوع فعرض أولاً ألف قطعة نقدية فرفضها أسعد باشا فقام المفتي بمضاعفة المبلغ ولكن أسعد باشا رفض مجددا وفي النهايه تم الاتفاق على ستة آلاف قطعة نقدية من الذهب .
في اليوم التالي قام أسعد باشا باستدعاء رئيس القضاة وأخبره بنفس الطريقة وأنه يعلم به إنه يقبل الرشوة ويستغل منصبه لمصالحه الخاصة ويطلق سراح المجرمين ويخون الثقة الممنوحة له وسيخبر السلطان عنه ليعاقبه بالإعدام .
صار القاضي يناشد الباشا ويتوسل إليه ويعرض عليه المبالغ كما فعل المفتي فلما وصل معه إلى مبلغ مساوي للمبلغ الذى دفعه المفتي أطلقه .
ثم جاء دور مسؤول المالية (المحتسب) الذي ابلغه اسعد باشا بما يعلمه عنه من سرقة الأموال وفساد ذمته وهكذا كان مع كبار التجار وبقية المسؤولين .
انتهى اسعد باشا من هؤلاء بإسبوع واحد وحصل منهم على الأموال التي يريد فالجميع يبكي ويتوسل ويدفع الأموال لأجل ان ينجوا برقبته .
بعدها قام بجمع حاشيته الذين أشاروا عليه ان يفرض ضريبة على رواتب الفقراء والموظفين لكي يجمع خمسين كيسا فقال لهم جمعتكم لأعلمكم اني ومن دون أن افرض الضريبة على الفقراء جمعت مائتي وخمسين كيس من الذهب بدل الخمسين التي كنت ساجمعها بطريقتكم ولم يعد هناك عجز مالي ولا فقر بعد اليوم .
فتسألوا جميعاً : كيف فعلت هذا يا مولانا ؟
فأجاب : إن جز صوف الكباش خير من سلخ جلود الحملان ..
أخيرا وليس آخرا اقول هل سيأتي اليوم الذي يجز فيه صوف الفاسدين والحيتان في بلادنا بدل سلخ جلود المواطنين والموظفين والفقراء . ؟؟
https://telegram.me/buratha