محمد علي السلطاني||
يعد فصل الدين عن الدولة من اكثر تعريفات العلمانية شيوعأ واوسعها انتشارأ ، بل يكاد أن يكون هو المفهوم الوحيد المترسخ في اذهان العامة سيما في الاوساط الشعبية لمجتمعنا العراقي، وهذا التركيز والتفرد في تعريف العلمانية لم يتأتى من فراغ ، اذ لعب العلمانيون العراقيون على ترسيخة لأسباب وغايات مقصودة .
فالعلمنة او ( الامركة ) كما يصفها بعض المفكرين والباحثين ، هي مفهوم وفلسفة اكبر بكثير من ان تحصر بفصل الدين عن الدولة ، وما هذا التعريف إلا جزئية من جزئيات هذه الفلسلفه ومنهجيتها في التعاطي مع متغيرات الحياة وان كان الوجه الاكثر وضوحأ فيها.
لقد ولدت هذه الفلسفة وتطور وجودها في الغرب عموما وفي امريكا على وجه الخصوص، فهما مهد نشوئها ونموها وتطورها ومن ثم تصديرها للعالم تحت عناوين واشكال مختلفة ، فمن ثقافة اجتماعية خاوية خالية من البعد الروحي والعاطفي ،الى علاقات قائمة على الاستغلال والمنفعه وصولأ الى خلق مجتمعات هجر فيها الدين والاخلاق وغرقت بالاباحية والمثلية والفساد فكانت هذه السمات هي الاكثر وضوحأ وترويجأ للعلمانية.
في الواقع ان هذا التية والتوجة لا يثير الاستغراب ، فيما لو اخذنا بنظر الاعتبار حداثة الوجود الامريكي برمتة ،اذا ما قورن بحضارة وتاريخ وتراث الشرق وثقافاته الموغلة في القدم ، حيث كانت ولازالت مدن وعواصم الشرق شاهدأ ومنارأ للعلم والثقافة والمعرفة، ومحطأ لتغذية الروح بفلسفات دينية متنوعة، تشبع هذه الحاجة وتجعل الناس اكثر استقرارأ والفة ، خلافأ لما انتجته وسوقتة العلمانية من قيم وثقافات تخالف الفطرة وتدعو الى الانحلال والتفسخ .
لقد لعب التطور التكنلوجي دور فعال في تصدير العلمانية ورواجها ، وبطبيعة الحال وقعت الكثير من الشعوب تحت ضلال ذلك التأثير بعناوينه الخداعة واغرائاته الغرائزية الفاحشة لكن بنسب متفاوته .
وكان للمجتمع العراقي حصة من ذلك التأثير ، الا انة كان تأثيرأ سلبيأ ، انتج نموذجأ علمانيأ متطرفأ بسلوك يتسم بالعنف والتمرد غير المألوف، فتطرفت العلمانية في العراق بحربها ضد الدين بشكل كبير حتى امست تلك المعركة شغلها الشاغل، ترشق فيها الدين والمتدينين بشتى سهام الكذب والافتراء ، وهكذا اصبحت معاداة الدين والتمرد على القيم مادتها الأساس ، عليها تتكئ وفيها تنمو وتتكاثر وتعتاش، فلا يخلو حديث أو مجلس من كيل التهم ولصق الاكاذيب بالاسلام والمسلمين على حد سواء ، فنكاد نجزم أن العلمانية في العراق لو تخلت لبرهة من الزمن عن هذا النهج لوجدت نفسها في تصحر وخواء فكري كبير ، ولكتشفت ببساطة ان عمود قوامها ووجودها منصب فقط على محاربة الدين او الإسلام بالمعنى الدقيق ..!
في الوقت الذي كان على العلمانيين في العراق ،ان ينقلو لنا سبل التقدم والازدهار التي تسهم في رقي وسعادة المجتمع وتطور امكانياته ، بدل ان تضخ في اذهان البسطاء و الناشئة مايربكهم ويزعزع استقرارهم، ويدخلهم في متاهات لايجنى منها سوى مزيدأ من التية والضياع .
لقد بدى المشهد واضحأ في اول ظهور لطيف واسع من القوى العلمانية في الاحتجاجات المطالبة باللإصلاح ، اذ لوحظ كيف تحولت تلك الاحتجاجات من مطالب اصلاحية الى خروج عن القيم وتمرد على الاخلاق ومحاربة للدين بشعارات وسلوكيات مشوهه ، وبذلك بدى الوجه الحقيقي للعلمانية منسلخأ عن القيم بعيدأ عن الثوابت متخليأ عن الاعراف وهذا لا يمكن ان يقبلة مجتمع مثل المجتمع العراقي ذو التاريخ والاصالة والقيم .