واثق الجابري||
عندما تكون لدى الشعوب رغبة في تأسيس نظام سياسي، قادرعلى ممارسة خصائص الأشياء وقوانين ينتفع منها، فأنها ستنجح لا في تفسيرها أو تحديد أهدافها فحسب، بل في تغيرها وإختيار ما هو أنسب من الأفعال، لتطبيق كل القوانين والاستفادة من خصائصه، ودون شك فذلك سينتج دولة مُهابة وحقه سيصان.
عُدت الديموقراطية واحدة من أهم نظم الحكم التي تعطي السلطة بيد الشعب، وهو مصدرها وسلم الوصول لتحقيق القوانين التي تضمن العدالة الإجتماعية، بحكم الشعب لتحقيق أهدافه؛ إلاّ أن المخاضات وإلتقاطعات السياسية، جعلت أحيانا الشعب جزءا من الصراع أو أداة تصفية حسابات لا يجني منها سوى التأثير على الواقع، ويدفع ثمنه كسوء في الخدمة وتراجع الاقتصاد وزيادة معدلات الفقر والإنقسام المجتمعي حول الأهداف.
أفرزت معظم الأطروحات السياسية والاعلامية، دعوات للمشاركة الشعبية في القرار، لكنها كانت دعوات دون تنظيم، وبفعل استند على ممارسات حزبية حاكرة للمؤسسة والقرار، ولم تُدرك أن التنازع يبدأ من دعوات التضليل لمنع المشاركة الإنتخابي، وبذلك يُعزل جزء كبير من الجمهور عن مسؤولية المشاركة في إختيار شخوص ممثليهم، ومن ثم دعوة نفس الجمهور للتمرد لكون هؤلاء لم يكونوا من إختيارهم، ومن ثم التنازع بين القوى السياسية على رئاسة الوزراء، وخلاف كبير بيت ما تحتاجه الدولة وما يتم الاتفاق عليه.
تتحدث أغلب الاصوات عن عجز رئيس مجلس الوزراء أمام القوى السياسية، وبدل أن يكون التفكير ببناء الدولة؛ صرنا نبحث عن إعادة هيبتها، وهي نتيجة طبيعية لحملة التراكمات، وتراجع الإختيار إلى الأضعف، وتتجاذب السياسة قوى تجعل القرار صعب إتخاذ المناسب منه، وأن كان ربما سيستحيل تطبيقه، وحتى الإنتخابات صارت لا تفضي إلى إختيار من يناسب المرحلة.
إن نجاح الإنتخابات يعني نجاح الشعب في إختيار من يمثله، ممن له القدرة على إعادة هيبة الدولة، ولا تعتبر ناجحة ومقبول بعدد المشاركين فحسب، رغم أن ذلك أكثر تمثيلاً للشعب، بل الاختيار الذي يلزم القوى السياسية بالانصياع لقوى أوجد الشعب ركيزتها، على أن يكون للقانون دولة قادرة على تطبيقه، وإستثمار العقد الإجتماعي بصيغ توائم المتغيرات.
القوى السياسية ليست فقط هي المسؤولة عن نجاح العملية السياسية المستقبلية، بل الشرائح الإجتماعية مسؤولة أولاً على اختيار من يمثلها، وهي القادرة على إزاحة هذا وتعزيز دور ذلك، تبعاً لطبيعة التعاطي السياسي مع مجمل القضايا، شريطة أن لا يخضع الشعب لما تضخه وسائل إعلامية؛ سعت بمختلف أدواتها لإفشال العملية السياسية برمتها، ومنها المشاركة الانتخابية دون تنظيم أو دعوات العزوف عن الإنتخابات بذريعة التزوير وعدم الثقة بالعمل السياسي، أو أن الاعتراض على السلطات شعبي لا سياسي، وبذلك تغيب الإدراك أن الخلل يبدأ بعد الانتهاء من الإنتخابات والنزاع على رئاسة الوزراء، وفرق كبير بين ما تحتاجه الدولة وما يتم إختيار، فما بالك في قلة مشاركة لا تمنح لقوة قادرة على إدارة الدولة أو خاضعة لقوى السياسية.. أو ما بالك في اعتراض شعبي لم يترجم إلى عمل سياسي، ولكن بالإنطلاق من الواقع وإعادة النظر بالعقد الإجتماعي، الذي يمثل جزءه الأكبر شعب يبحث عن مصلحة عامة، ويمكن تحقيقها بالتقارب مع القوى التي تدعم توجهات الشباب، وإلاّ ستكون نتائج الإنتخابات؛ لقوى متقاطعة الأفكار ورئاسة وزراء ضعيفة، وشعب لا يجد لأهداف تطبيقاً، والعقد الإجتماعي شديد التعقيد، ولا تستطيع السلطات تأدية أدواتها، ولا الشعب أهدافه.
https://telegram.me/buratha