ابراهيم العبادي||
يحرص الاسلاميون عموما على تقديم انفسهم على انهم اقرب القوى السياسة الى نبض الشارع ،فهم يمثلون تاريخ الامة وثقافتها ،وهم المدافعون عن تراثها و فكرها الحضاري ،وهم الاصدق في تمثيل الجمهور ذي الاكثرية المتدينة ،والاكثر اخلاصا في الدفاع عن خصوصيات الامة وقضاياها ومعاركها المصيرية .
لاأحد يشك في ان اخفاق مشاريع النهوض والتنمية وتأسيس الدولة وصيانتها في منطقتنا الاسلامية على مدى قرن ونصق قرن من الزمان ، سمح للاسلاميين تأكيد انفسهم بانهم الخيار الصحيح والاخير ،فالمشاريع التي اخفقت كانت ذات مرجعيات غير اسلامية ،انها غربية التصميم والتأسيس ،ولانها كذلك لم تنجح في حل مشكلات بلداننا الاقتصادية والسياسية والثقافية ، اذ انها عمقت التبعية ، وأخسرت الامة معاركها الكبرى ،وجعلت الذات الفردية والجماعية مستلبة لمرجعيات فكرية وثقافية ، ففشلت في تعبئة الموارد لمواجهة التحديات المتضخمة الناتجة من الصراع الحضاري ،بالاجمال كانت حلولا (مستوردة) ،ومع اخفاق عملية الاستيراد تطلب الامر ان يعود الناس الى (ذواتهم) ،والى مرجعيتهم الفكرية والحضارية ، وان يحافظوا على خصوصياتهم الثقافية ، ويؤسسوا لشرعيات دولهم ونظمهم السياسية تأسيسا يقطع مع (الغرب)،ويعود الى الشرعية الاسلامية ،كان شعار (الاسلام هو الحل) ،هو العنوان الاثير لدى الحركيين والحزبيين والناشطين الاسلاميين ،وجاءت الثورة الاسلامية في ايران وتأسيس الجمهورية ومباشرتها الصراع من اوسع ابوابه ، ليرسخ القناعة لدى معظم الاسلاميين بان الصعود الاسلامي ودورة الاحياء ( الحضاري) والصحوة الاسلامية لابد ان تتبلور بقوة ، باعادة تجسيد الاسلام بانظمة حكم أومشاريع مقاومة للغرب ومنظوماته السياسية في المنطقة المتمثلة بالانظمة القائمة ، والتصدي لاسرائيل رأس المشروع الحضاري الغربي في قلب العالم الاسلامي .
وفق هذه القناعات دارت رحى صراعات وخصومات داخلية وخارجية ،سقطت فيها انظمة وانهارت دول ،وتخلفت مجتمعات ،واهـُدرت طاقات كبرى، ووجد الاسلاميون انفسهم في قتال ناعم وخشن وعلى جميع الاصعدة ،بعد حصاد التجارب بتنا نشهد مرحلة مراجعات أجتماعية وسياسية كبرى ، فقد صار (الاسلام السياسي) موضع تساؤل ،فكرا ونظرية وتنظيمات وسلوكا ،ينطبق هذا الكلام على جميع الاسلاميين ،سنة وشيعة ،من نجح ومن اخفق ، وكان نصيب الاسلاميين الشيعة في العراق كبيرا من هذا النقد والرفض والاعتراض ، فشعار الاسلام والدولة الاسلامية هو الحل ،لم يزد الجمهور قناعة بصحة هذا الخيار رغم انه جمهور متدين في الغالب ،الشعار والرموز المقدسة والنظرية والفكرة تبقى مثالية وجميلة ومرغوبة حينما تجسدها ممارسات وسلوكات وقيادات وكوادر وتنظيمات تقدم مصلحة المواطن البسيط والانسان الفقير ،تريد انقاذه من محنته ،تبني له نموذا سلطويا عادلا ،تشعره بالامن والسلام ،وتحقق له التنمية والازدهار ،تتيح له فرصا متكافئة ، في مناخ يسوده القانون والايثار والتضامن والحرص على الاهداف الانسانية الكبرى .اين الاسلاميون من ذلك ؟ كيف جسدوا نظريتهم في الدولة والهوية والادارة والاقتصاد والعلاقة مع الاخر والمشروع الثقافي ووو؟ كانت لدى جيلهم الاول افكار فيما ضاع جيلهم الثاني والثالث في حمأة صراع اجتماعي-سياسي هوياتي بلا فكر ولانظرية ، فسقطت النظرية وتغلب جيل السلاح والشعار .
كان الاسلاميون بحاجة الى فقه الاولويات ،والى اخلاق التضحيات ،والى معرفة بالمشروع الحضاري الذي كانوا يتخيلونه ويحلمون به .
بعد مخاض التجارب تبين ان المسافة تباعدت بين تنظيمات الاسلام السياسي الحركي والجمهور العام ،وتبين ان السلطوية عند الاسلاميين ليست اقل وطأة مما عند خصومهم ،وان المراهقة السياسية والطيش السياسي ليست من مختصات القوميين واليساريين والاحزاب الشمولية والزعامات الفردية ،كان فقه الدولة والادارة وفهم المجتمع وحسن السلوك السياسي وبناء الذات، شعارات وكتابات نظرية فحسب ،بين النظرية في مراحلها السرية او البعيدة عن الاضواء ، جرت الامور ليظهر ان الاسلاميين يعانون من فصام شديد مع الدولة ،فكرا ونظرية وعلاقات وممارسات ،وانكشف ايضا ان النوايا الحسنة والشعارات الجميلة والحماسة الزائدة والرغبة في الموت المقدس لاتحل مشكلات اجتماعية ولاتؤسس لتنمية حقيقية ولاتخفض من مستويات الفقر ،بل ان ادارة الدول امرا معقدا يستلزم تكوينا معرفيا مختلفا عما الفه الاسلاميون في ادبياتهم ،والتي بدت ساعة الاختبار بسيطة وفقيرة واحيانا ساذجة وفضفاضة ،الاسلاميون يخوضون معارك وجود في هذا الظرف لان مشروعيتهم السياسية تتعرض لاهتزاز كبير ،ولان شعارهم النبيل لم يقلص الفساد ولاكرس اخلاقية عملية ناجحة تعيد الثقة بالمشروع -الحلم ، الاسلاميون في معركة شديدة التعقيد ومحنة لاتخصهم وحدهم،فهي متعلقة بصورة اجيالهم الراحلة والراهنة والقادمة ، هي محنة امة ودولة ،وامامهم شوط من المعارك يعرفون هم قبل غيرهم حجمها ونتائجها .
https://telegram.me/buratha