محمد الجاسم ||
إطلعت على المادة73ـ ثالثاً من الدستور العراقي النافذ،الخاصة بصلاحيات رئيس الجمهورية،فقرأتها على النحو الآتي:
"يصادق ويصدر القوانين التي يسنُّها مجلس النواب، وتُعَدُّ مصادقاً عليها بعد مضيّ خمسة عشريوماً من تاريخ تسلمه." وهذا يعني أن مضي الخمسة عشر يوماً تعني إذا لم يبادر هو بالمصادقة،وبذلك يتضح النص الدستوري الجليّ بأن صلاحيات رئيس الجمهورية بروتوكولية،وليس من حقه الإعتراض أو النقض.لكن السيد رئيس الجمهورية برهم صالح فاجأ الشعب العراقي اليوم بتدخل (مسبوق،وليس غير مسبوق)بصلاحيات السلطة التشريعية،حين أعلن عدم مصادقته على قانون سد العجز المالي،وكان قبل أيام قد وصف القانون بأوصاف بعيدة عن اللغة القانونية والوطنية،والسيادية،حين قال :" إقرار قانون تمويل العجز المالي بغياب الكورد (سابقة سلبية) بالعمل السياسي"،لا أعلم كيف يسمح السيد رئيس الجمهورية لنفسه أن يمارس دور السياسي الكردي المطالب بحقوق مكون،ونسي أنه رئيس المكونات العراقية بأجمعها،علماً أن كلمة (الحقوق)كان مجلس النواب قد أجاب عنها في القانون، حين ربطها بالتزام الكرد (قادة الإقليم)بتسليم ما بذمتهم من إيرادات النفط المصدَّر الى الخارج دون علم السلطات الإتحادية في بغداد،وكذلك إيرادات المنافذ الحدودية البرية والمطارات،وهذا مطلب دستوري وسبق الحديث عنه وتثبيته في محاضر اللقاءات الرسمية بين حكومة الإقليم والحكومة الإتحادية،تلك المحاضر التي صارت ،وتبعاتها،مجرد لعبة غير محسوبة العواقب،تهرَّبَ الإقليم من إلتزاماته تجاهها،وعوقب مرات عديدة بسبب هذا السلوك المعادي لمصلحة مواطني كردستان أنفسهم ،وكذلك مصلحة مواطني الوسط والجنوب ،الذين تخرج واردات العراق النفطية من أراضيهم،وهم يتحملون مترتبات استخراج النفط ومشاقّه البيئية،بينما يحصل الكرد على حصتهم من الموازنات السابقة دون مقابل،وهذا ما أوقفته بغداد في زمن السيد المالكي وكذلك في زمن السيد العبادي،وجزء من زمن حكومة السيد عبد المهدي.
لقد صدر قانون سدالعجز المالي(الإقتراض)من مجلس النواب العراقي،الجهة المسؤولة عن سن وتشريع القوانين،ورغم تحفظنا ـ شخصياً ـ على القانون برمته،وعواقب الإقتراض كنهج ضار بالدولة،إلا أن صفته القانونية قد أضفته عليه جلسة مكتملة النصاب وتصويت بالأغلبية.فلم يبقَ مجال قطعاً لاستخدام عبارات مثل(يوسع الفجوة بين العرب والكرد)..أو..(لم يخرج بالتوافق)،هذه كلها كلمات حق أُريدَ بها باطل.
كان السيد رئيس الجمهورية ،وكأنه يغازل الزعيم القومي ورئيس العائلة الحاكمة في الإقليم،الذي وصف تمرير هذا القانون " بمثابة طعنة وجهها الشيعة والسنة ضد الكرد"،ليتناغم مع خطابه القومي الشوفيني،إيغالاً منهما بتسبيب الأسباب وفسح المجالات وفتح الأبواب لإعادة أحلام الإنفصال التي أحرقها الدستور العراقي وحكومة السيد العبادي.
لقد أثار البيان الذي أصدره اليوم الخميس السيد حسن الكعبي النائب الأول لرئيس مجلس النواب،الذي قال فيه :" إن رئيس الجمهورية لا يملك صلاحية نقض القوانين او الاعتراض عليها او إعادتهـا إلى مجلس النواب" واشار إلى:" أن مصادقته عليها إجراءٌ بروتوكولي ليس إلا"،أثار هذا البيان حفيظة المستشارين القريبين من السيد رئيس الجمهورية،ليظهر مساء اليوم أيضاً توضيح من مكتب السيد رئيس الجمهورية،نقلاً عن مصدر لم يعلن عن إسمه لوسائل الإعلام، فيقول: " إن رئيس الجمهورية برهم صالح لم يرفض المصادقة على قانون تمويل العجز المالي أو قوانين أخرى"، موضحاً أن "ما نشر غير ذلك غير صحيح".
ليست هذه المرة الأولى التي يتقاطع فيها فخامة الرئيس مع الدستور ويعرِّض نفسه للإتهام بحنث اليمين وتجاوز سلطاته الدستورية،كانت قضية رفضه ترشيح أسعد العيداني لمنصب رئيس الوزراء واحدة من خروقاته الدستورية،وليست بعيدة عن الذاكرة، مطالبة نائبٍ عن بدر أعضاءَ مجلس النواب بمساندته في جمع التواقيع والتصويت على إقالة رئيس الجمهورية الذي "خرق الدستور أكثر من مرة بدوافع غير معلومة"،كان قبل آخرها تكليف مصطفى الكاظمي لرئاسة مجلس الوزراء دون أن ترشحه الكتلة الكبرى في البرلمان.
ورُبَّ قَوْل..أنْفَذُ مِنْ صَوْل.
ناصرية ـ دورتموند/ألمانيا
19ت2 2020
https://telegram.me/buratha